للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقوله: لواقح، وينبغي أن يكون معنى ذلك: أن الريح وإن كان لفظها واحدًا، فمعناها الجمع؛ لأنه يقال: جاءت الريح من كل وجه، وهبت من كل مكان، فقيل: لواقح لذلك، فيكونُ معنى جَمعِهم نعتها، وهي في اللفظ واحدة معنى قولهم: أَرضٌ سَباسِب، وأَرضٌ أَغْفالٌ (١)، وثوب أخلاق، كما قال الشاعر (٢):

جاءَ الشتاءُ وقَمِيصِي أَخْلاقْ ... شَراذِمٌ يَضحَكُ منهُ التوَّاقْ (٣)

وكذلك تفعلُ العَرَبُ في كلِّ شيءٍ اتسعَ». (٤) وهذا الأسلوب سَبَقَ إلى ذكرهِ الفراء في معانيه، مع ذكر شاهده الشعري. (٥)

٢ - وقال الطبري عند تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: ٢] (٦): «عن ابن عباس قوله: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} قال: ما يدريك؟ لعلها بعَمَدٍ لا تَرونَها. ومَنْ تأولَ ذلكَ كذلك، قصدَ مذهبَ تقديمِ العَربِ الجَحْدَ من آخر الكلام إلى أَوَّلهِ، كقول الشاعر (٧):

ولا أَراها تَزَالُ ظَالِمَةً ... تُحدِثُ لي نَكبةً وتُنْكَؤُها (٨)

يريدُ: أَراها لا تَزالُ ظالِمةً، فقدَّم الجحدَ عن موضعهِ من «تزال»، وكما قال الآخر:

إذا أَعجَبَتْكَ الدَّهرَ حَالٌ مِن امرئٍ ... فَدَعْهُ وَواكِلْ حَالَهُ والليَالِيا


(١) السَّباسبُ جَمعُ سَبْسَبٍ، وهي المَفازةُ المُهلكة. والأغفالُ هي الأرضُ المَجهولةُ التي لا أثر فيها يُعرف.
(٢) نسب الشاهد لبعض الأعراب دون تعيين كما في خزانة الأدب ١/ ٢٣٤.
(٣) التواق: قيل: إنه اسم ابنه. انظر: معاني القرآن للفراء ٢/ ٨٧، تهذيب اللغة ٧/ ٣٠، ٩/ ٢٥٦.
(٤) تفسير الطبري (هجر) ١٤/ ٤١ - ٤٢.
(٥) انظر: معاني القرآن ٢/ ٨٧.
(٦) الرعد ٢.
(٧) هو إبراهيم بن هرمة.
(٨) رواية الديوان «قرحة» بدل «نكبة». انظر: ديوانه ٥٦، معاني القرآن للفراء ٢/ ٥٧.

<<  <   >  >>