للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَجِئْنَ على ما كانَ مِنْ صَالحٍ بهِ ... وإِنْ كانَ فِيما لا يَرى النَّاسُ آليا (١)

يعني: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو». (٢) وقد ذكر ابن الأنباري هذا اللفظ وأنه من الأضداد، فقال في تفسير هذه الآية: «ومِمَّا فُسِّر مِن كتاب الله تفسيرين متضادّين، قوله تبارك وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}، يقال: معناه خلقها مرفوعة بلا عَمَد، فالجحْد واقع في موضعه الَّذي يجب كونه فيه، ثمَّ قال بعد: (تَرَوْنَهَا) أَي: لا تحتاجون مع الرؤية إِلى خَبَرٍ. ويفسَّر تفسيرًا آخر، وهو: الله الَّذي رفع السموات بعمد لا ترون تلك العمد، فدخل الجحْد على العَمَد في اللفظ، وهو في المعنى منقول إِلى الرؤية؛ كما تقول العرب: ما ضربتُ عبدَ اللهِ وعندَهُ أَحَدٌ، يريدون: ضربتُ عبدَ الله وليس عندَه أَحَدٌ. ويقال: ما ينشأُ أَحدٌ بِبَلَدٍ فيزالُ يذكره؛ أَي إِذا نشأَ ببلدٍ لم يزل يذكره. وأَنشد الفَرَّاءُ حجَّة لهذا المعنى ... ». (٣) ثم ذكر شواهد الفراء التي ذكرها الطبري مع تفسيرها.

٣ - وقال الطبريُّ عند تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: ٨] (٤): «واكتفى بـ {كَيْفَ} دليلًا على معنى الكلام، لتقدم ما يراد من المعنى بها قبلها، وكذلك تفعل العرب، إذا أعادت الحرف بعد مضي معناه، استجازوا حذف الفعل، كما قال الشاعر (٥):

وخَبَّرْتُماني أَنَّما الموتُ في القُرَى ... فَكيفَ وهَذي هَضْبَةٌ وكَثِيبُ (٦)

فحذف الفعل بعد {كَيْفَ} لتقدم ما يراد بعدها قبلها. ومعنى الكلام: فكيف يكون الموت في القرى، وهذي هضبة وكثيب، لا ينجو


(١) البيتان في معاني القرآن ٢/ ٥٧، والأضداد لابن الأنباري ٢٦٨ ولم أعرف قائلهما.
(٢) تفسير الطبري (هجر) ١٣/ ٤١٠.
(٣) الأضداد ٢٦٨.
(٤) التوبة ٨.
(٥) هو كعب بن سعد الغنوي.
(٦) انظر: الأصمعيات ٩٩، طبقات فحول الشعراء ١/ ١٧٦، أمالي القالي ٢/ ١٥١.

<<  <   >  >>