للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيهما منه أحد؟ ». (١)

ورُبَّما يحمل بعض المفسرين معنى بعض الحروف في القرآن على غير وجهها في الآية، لمجرد أنها قد تأتي في اللغة بمعنى من المعاني، وإن كان سياق الآية لا يحتمله، فينبه المفسرون على هذا، وينفون أن يكون معنى هذا الحرف كذا. ومن ذلك قول الطبري في تفسيره لقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)} [الأعراف: ١١] (٢): «فإنْ ظَنَّ ظانٌّ أنَّ العربَ إذ كانت رُبَّما نَطقتْ بـ «ثُمَّ» في موضع «الواو» في ضرورةِ شعرٍ، كما قال بعضهم (٣):

سَأَلْتُ ربيعةَ: مَنْ خَيْرُها ... أَبًا ثُمَّ أَمًّا؟ فقالَتْ: لِمَهْ (٤)

يعني أبًا وأُمًّا، فإِنَّ ذلك جائزٌ أَن يكونَ نظيره فإِنَّ ذلك بِخلافِ ما ظنَّ. وذلك أَنَّ كتابَ الله جلَّ ثناؤه نزلَ بأفصحِ لغات العربِ، وغير جائزٍ توجيهُ شيءٍ منهُ إلى الشاذِّ مِن لغاتِها، ولَهُ في الأفصحِ الأشهرِ معنىً مفهومٌ، ووجهٌ معروفٌ». (٥)

وهذا منهج الطبري في تأكيده المتكرر، على أَنَّ القُرآنَ يَجبُ حَملُه وتفسيره على اللغة المستفيضة المشهورة التي تعرفها العربُ في شعرها وكلامها، لا على ما شذَّ من لغاتِها، وإن كانت لغات صحيحة، سواء كان ذلك في الألفاظ أو الأساليب.

٤ - ومن ذلك قول الطبري عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧)} [الأنعام: ١١٧] (٦): «وقد زَعَمَ بعضُهم أَنَّ قولَه: {أَعْلَمُ} في هذا الموضع بِمَعنى يَعْلَم، واستشهدَ لقيلهِ ببيتِ حَاتمِ الطائيِّ:


(١) تفسير الطبري (شاكر) ١٤/ ١٤٥.
(٢) الأعراف ١١.
(٣) هو الأقيشر الأسدي.
(٤) الرواية «شرها» بدل «خيرها». انظر: الصاحبي ٢١٥.
(٥) تفسير الطبري (شاكر) ١٢/ ٣٢٢.
(٦) الأنعام ١١٧.

<<  <   >  >>