للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَحَالَفَتْ طَيّءٌ مِنْ دُونِنا حَلِفًا ... واللهُ أَعْلَمُ ما كُنَّا لَهُمْ خُذُلا (١)

وبقول الخنساء:

القومُ أَعْلَمُ أَنَّ جَفْنَتَهُ ... تُعدو غَداةَ الرِّيحِ أَو تَسري (٢)

وهذا الذي قاله قائل هذا التأويل، وإن كان جائزًا في كلام العرب، فليس قول الله تعالى ذكره: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١١٧]} منه، وذلك أنه عطف عليه بقوله: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} فأَبانَ بدخولِ «الباء» في (المهتدين) أَنَّ {أَعْلَمُ} ليس بمعنى يَعلَم؛ لأَنَّ ذلك إذا كان بِمعنى «يفعلُ»، لم يُوصَل بالباء، كما لا يُقالُ: هو يعلمُ بزيدٍ، بِمعنى: يعلم زيدًا». (٣) وهذا منهج الطبري في دراسته لأسلوب القرآن، فلا يجعله الشاهد الشعري مهما كان صحيحًا، يترك تفسير السلف، ولا أسلوب القرآن الخاص، ويحمل معنى الآية على أسلوب الشاهد الشعري، وإنما يقدم ما أجمعت عليه الحجة من أهل التفسير، ثم دلالة سياق الآيات، ثم دلالة اللغة المستفيضة المعروفة في أشعار العرب، فوضع بهذا الشاهد الشعري في موضعه الصحيح من التفسير.

٥ - ومن الأمثلة على استعانة الطبري بالشعر في فهمه لأساليب القرآن قوله عند تفسير قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: ١٧] (٤): «فإِنْ قالَ لنا قائلٌ: إنك ذكرت أن معنى قول الله تعالى ذكره: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} خَمدت وانطفأت، وليس ذلكَ بِمَوجودٍ في القرآن، فما دلالتكَ على أَنَّ ذلكَ معناه؟

قيل: قد قلنا: إِنَّ مِن شأنِ العربِ الإيجازُ والاختصارُ، إذا كان فيما نطقتْ بهِ الدلالةُ الكافيةُ على ما حَذَفت وتَركت، كما قال أبو ذؤيب الهذلي:


(١) انظر: ديوانه ١٩٤.
(٢) انظر: ديوانها ٣٢.
(٣) تفسير الطبري (شاكر) ١٢/ ٦٦ - ٦٧.
(٤) البقرة ١٧.

<<  <   >  >>