للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر هو أن الطاهر بن عاشور اتخذ من معنى البيت وأسلوبه مرجحًا لنسبته لأبي الأسود الدؤلي دون بقية المنسوب إليهم هذا الشعر.

وقال الطاهر ابن عاشور أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (١٧)} [المزمل: ١٧] (١): «ووصف اليوم بأَنَّهُ {يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} وَصفٌ لَهُ باعتبار ما يقعُ فيه من الأهوالِ والأحزانِ؛ لأنه شاع أَنَّ الهمَّ مِمَّا يُسرعُ به الشيبُ، فلمَّا أُريدَ وصفُ همِّ ذلك اليوم بالشدة البالغة أقواها، أسند إليه يُشيِّبُ الولدان الذين شَعَرُهُم في أول سواده. وهذه مُبالغةٌ عجيبةٌ وهي من مُبتكراتِ القرآنِ فيما أَحسب؛ لأَنِّي لَم أَرَ هذا المعنى في كلامِ العرب، وأَمَّا البيت الذي يُذكرُ في شواهد النحو وهو:

إِذَنْ والله نَرميَهُم بِحَربٍ ... تُشيبُ الطفلَ مِنْ قبلِ المشيبِ (٢)

فلا ثُبوتَ لنسبته إلى مَنْ كانوا قبلَ نُزولِ القرآنِ، ولا يُعرفُ قائلهُ، ونسبهُ بعض المؤلفينَ إلى حسان بن ثابت، وقال العينيُّ: لم أجدهُ في ديوانهِ (٣)، وقد أخذ المعنى الصِّمَّةُ بن عبد الله القشيري في قوله:

دَعانيَ مِنْ نَجدٍ فإِنَّ سِنِينَهُ ... لَعِبْنَ بنا شِيبًا وشَيَّبْنَنا مُردا (٤)

وهو من شعراء الدولة الأموية». (٥) والأمثلة على ذلك عند ابن عاشور متعددة على استعانته بأسلوب القرآن ومعرفته بأسلوب الشعر، في معرفة نسبة بعض الشواهد المختلف في نسبتها، بناء على الأسلوب. (٦)


(١) المزمل ١٧.
(٢) انظر: معجم شواهد النحو الشعرية لحنا حداد ٣٠٥ رقم (٣٦٧).
(٣) هو بيت مفرد في ملحق ديوانه ٣٧١.
(٤) انظر: خزانة الأدب ٨/ ٥٨.
(٥) التحرير والتنوير ٢٩/ ٢٧٥.
(٦) انظر: التحرير والتنوير ٢٩/ ١١٧، ٣٠/ ٢٨، ٢٥/ ١٩٨.

<<  <   >  >>