للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شعرهم إلى نتائجَ نقدية مُهمّة، كنَفي نسبة بعض الشواهد لشعراء الجاهلية.

ومن هذه الأمثلة التي ذكرها ابن عاشور، ونصَّ على أَنَّها من «مبتكرات القرآن»، وأَنَّه لم يَجِد للعربِ في شِعرِها أو نَثرِها مثلَه، واستدل بها على ترجيح نسبة شواهد شعرية إلى قائل دون آخر، ما جاء عند تفسيره لقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩] (١) قال: «والأَخذُ حقيقتهُ تناولُ شَيءٍ للانتفاعِ بهِ أَو لإضرارهِ، كما يقال: أخذتُ العدوَّ من تلابيبه، ولذلك يُقالُ في الأسير أَخِيذٌ، ويقالُ للقوم إذا أُسِروا: أُخِذُوا، واستُعمِلَ هنا مَجازًا فاستُعِيْرَ للتلبسِ بالوصفِ، والفعل من بين أفعالٍ لو شاء لتلَبس بِها، فيُشبّه ذلك التلبسَ واختيارَهُ على تلبسٍ آخر بأخذِ شيء مِن بَينِ عِدةِ أشياء، فمعنى {خُذِ الْعَفْوَ}: عَامِل به واجْعله وصفًا ولا تتلبس بضده. وأَحسب استعارة الأَخذِ للعُرفِ مِن مُبتكراتِ القرآن ولذلك أُرجِّحُ أَنَّ البيتَ المشهورَ وهوَ:

خُذي العفوَ مني تَستديْمي مَوَدَّتي ... ولا تَنْطِقي في سَوْرَتي حين أغْضَبُ

هو لأَبي الأَسودِ الدؤليِّ (٢)، وأَنَّه اتبع استعمال القرآن، وأَنَّ نسبته إلى أسماءَ بن خارجة الفزاريِّ، أو إلى حاتمِ الطائي غير صحيحة». (٣)

وقد ذكر الأصفهاني هذا البيت فقال: «والشعر لأَسْماءَ بن خارجة الفزاري، وقد قيل: إِنَّهُ لأبي الأسود الدؤلي، وليس ذلك بصحيح». (٤) ونسبه بعضهم إلى عامر بن عمرو من بني البكاء. (٥) ونسبه آخرون إلى أسماء بن خارجة. (٦) ونسبه بعضهم لشريح القاضي. (٧)، والجديد في


(١) الأعراف ١٩٩.
(٢) انظر: ديوانه ٣٨١.
(٣) التحرير والتنوير ٩/ ٢٢٦.
(٤) الأغاني ٢٠/ ٣٦٢.
(٥) انظر: الحماسة البصرية ٢/ ٩٣٧.
(٦) انظر: بَهجة المجالس لابن عبد البر ٣/ ٥٦.
(٧) انظر: الوحشيات ١٨٥، حماسة الظرفاء ١/ ١٦٣، عيون الأخبار ٣/ ١١.

<<  <   >  >>