للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأَضْرِبُها بِلا دَهَشٍ فَخَرَّتْ ... صَريعًا لليَدينِ وللجِرانِ (١)

لأَنَّهُ قصدَ أَنْ يصورَ لقومهِ الحالةَ التي تشجَّعَ فيها - بِزعمهِ - على ضَربِ الغُولِ، كأَنَّهُ يُبَصِّرُهُم إِيَّاها، ويُطلِعُهُم على كُنهِها، مُشاهدةً للتعجيبِ مِن جُرأتهِ على كُلِّ هَولٍ، وثَباتهِ عند كلِّ شدة». (٢)

وقال الزمخشريُّ عند بيان الوجه البلاغي في وصف العُتوِّ بالكبير في قوله تعالى: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: ٢١] (٣): «وقد وصفَ العُتُوَّ بالكبيرِ، فبالغَ في إفراطهِ، يعني أَنَّهم لم يَخسروا على هذا القولِ العظيم، إِلَّا لأَنَّهم بلغوا غايةَ الاستكبار، وأقصى العتوِّ. واللامُ جوابُ قسمٍ مَحذوف، وهذه الجملةُ في حُسْنِ استئنافِها غَايةٌ، وفي أُسلوبِها قَولُ القائلِ (٤):

وجَارةِ جَسَّاسٍ أَبأَنا بِنَابِها ... كُلَيبًا غَلتْ نَابٌ كُليبٌ بَواؤُها (٥)

وفي فحوى هذا الفعلِ دليلٌ على التعجبِ من غير لفظ التعجبِ. أَلا ترى أنَّ المعنى: ما أشدَّ استكبارَهم، وما أكبَر عُتوَّهُم، وما أَغلى نَابًا بَواؤها كُليبٌ». (٦)

وظهر من دراسة أسلوب القرآن الكريم، وموازنته بأساليب العرب في شعرها قبل الإسلام وبعده القدرةُ على نسبةِ بعض الشواهد المَجهولة في كتب التفسير. وقد تنبَّه الطاهرُ بن عاشور للأساليبِ والألفاظ التي وردت في القرآن ولم تكن معروفةً من قبلُ في لغة العربِ وشعرهم في الجاهلية، وظهر له ما سَمَّاهُ بِمُبتكراتِ القرآنِ، وذكر أمثلة كثيرةً، وسأقتصر على بعض الأمثلة التي كان للشاهد الشعري فيها أَثَرٌ، وقد توصل ابن عاشور بِموازنتهِ بين أسلوبِ القرآنِ، وأُسلوبِ العربِ في


(١) انظر: ديوانه ٢٢٤ - ٢٢٥.
(٢) الكشاف ٣/ ٦٠١.
(٣) الفرقان ٢١.
(٤) لم أعرفه.
(٥) انظر: المستقصى للزمخشري ١/ ١٢٤.
(٦) الكشاف ٣/ ٢٧٣.

<<  <   >  >>