للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأساليب التي تعرض لها المفسرون أسلوب الحذف في القرآن الكريم. ومن ذلك قول ابن عطية عند تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً} [هود: ١٧] (١): «وفي هذه الآيةِ مُعادلةٌ مَحذوفةٌ يقتضيها ظاهرُ اللفظِ، تقديرهُ: أَفَمنْ كانَ على بينةٍ مِن ربِّهِ كمَن كفرَ بالله وكذَّبَ أنبياءَه. ونحو هذا - في معنى الحذفِ - قوله عَزَّوَجَلَّ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: ٣١] (٢) لكانَ هذا القرآنُ. ومن ذلك قول الشاعر (٣):

فأُقْسِمُ لو شَيءٌ أَتانا رَسُولُهُ ... سِواكَ ولكنْ لَمْ نَجِدْ لكَ مَدْفَعا (٤)

التقديرُ: لرَددنَاهُ ولم نُصْغِ إليهِ». (٥)

والطبري وابن عطية يكثرونَ من ذكر أساليب العرب، ويُنظِّرون ذلك بشواهد الشعر، ولكنَّهم قلَّما توقفوا عند الوجه البلاغي في التعبير، أَمَّا الزمخشريُّ فقد عُنِيَ باستنباطِ الأوجهِ البلاغية الكامنة في هذه الأساليب.

ومن أمثلة ذلك قوله عند بيان الوجه البلاغي في تعبير الله بالفعل المضارع في قوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: ٩] (٦) فقال: «فإن قلتَ: لِمَ جاءَ {فَتُثِيرُ} على المضارعةِ دونَ ما قبلَهُ، وما بعده؟

قلتُ: ليحكيَ الحالَ التي تقعُ فيها إثارةُ الرياحِ السَّحابَ، وتستحضرَ تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية، وهكذا يفعلون بفعلٍ فيه نوعُ تَمييزٍ وخصوصيةٍ بِحالٍ تُستَغربُ، أو تَهُمُّ المخاطَب، أو غير ذلك، كما قال تأبط شرًا:

بِأَنِّي قد لَقيتُ الغُولَ تَهوِي ... بِسَهبٍ كالصحيفةِ صَحْصَحانِ


(١) هود ١٧.
(٢) الرعد ٣١.
(٣) هو امرؤ القيس بن حجر.
(٤) انظر: ديوانه ٢٤٢.
(٥) المحرر الوجيز ٩/ ١٢٤.
(٦) فاطر ٩.

<<  <   >  >>