للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤] (١)، وهو الذي تعرفه العربُ في كلامها، ولم أجد لفظةَ «اللغة» مستعملةً في كلام الاحتجاج بكثرةٍ، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده: «لم يبعث الله نبيًا إلا بلغة قومه» (٢).

والقرآن الكريم نزل بلغةِ العَرَبِ، وقد ورد في آيات كثيرة وصف القرآن بالعربي من مثل قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢)} [يوسف: ٢] (٣) وقوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الشورى: ٧] (٤)، وغيرها (٥)، وقد تبيَّنَ من نتائج المباحث السابقة أن المفسرين قد استشهدوا بشعرِ جَميع شعراءِ القبائلِ، وأن المفسرين لم يفرقوا بين شعراء القبائل في الاستشهاد، ويُسمُّون كلَّ ما قاله شعراءُ الاحتجاج عربيةً، ويقولون: قالت العرب كذا.

وقد كان الشاهدُ الشعريُّ الحجةَ التي احتفظ بِها اللغويون عندما سَجلوا لغاتِ العرب، فلا تكادُ تَجدُ النصَّ على لهجةٍ من اللهجات إلا مصحوبًا بِما يشهد له من الشعرِ، فإِمَّا أَن يكونَ الشاهدُ لشاعرٍ من القبيلةِ، وإِمَّا أَن يكون أحد أفراد القبيلة قد أنشد بيتًا لشاعرٍ من غير قبيلتهِ غَيْرَ أَنَّه أَنشدَهُ على وجهٍ يُوافقُ لَهجتَهُ، فيستدل العلماءُ بإنشادهِ لهذا الشاهد، لفصاحته وسلامة لسانه، وكان هذا سببًا من أسباب تعدد روايات الشاهد الشعري في كتب التفسير واللغة. (٦)

وقد رحل العلماء المتقدمون الذين وضعت قواعد العربية على أيديهم كأبي عمرو بن العلاء والخليل ويونس بن حبيب ومَنْ بَعدَهُم إلى البوادي فَجَمعوا لغات العرب وشواهدَها من الشعر، ودوَّنوا كلَّ ذلك،


(١) إبراهيم ٤، وانظر: نزول القرآن على سبعة أحرف لمناع القطان ٤.
(٢) مسند الإمام أحمد ٥/ ١٥٨.
(٣) الزخرف ٣.
(٤) الشورى ٧.
(٥) انظر: الشعراء ١٩٢، طه ١١٣.
(٦) انظر: المعايير النقدية في رد شواهد النحو الشعرية لبريكان الشلوي ١/ ٣٣.

<<  <   >  >>