للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتنافسوا في ذلك. وقد كان أبو عمرو بن العلاء وهو شيخُ الأصمعيِّ يَتنافسُ هو وتلميذه في كتابةِ اللغة عن العرب، وتتبع الغريب وتدوينهِ بشواهده (١)، ثم إن تلاميذ هؤلاء قد صنفوا كتبًا في معاني القرآن وغريبه، أودعوا فيها كثيرًا مِمَّا سَمعوه من لهَجاتِ العَربِ، وشواهدِ الشعرِ التي تؤيد كيفية نُطقِ هذه اللهجات المختلفة.

ونظرًا للعلاقةِ بَيْنَ اللهجاتِ وقراءات القرآنِ؛ إذ إِنَّ كثيرًا من أوجه الاختلاف بين القراءات وخاصة المخالفة للرسم العثماني، مع اتفاقها مع القراءة المشهورة في الأصل الاشتقاقي يَعودُ لِظواهر لَهجية كالإدغامِ والتسهيلِ ونَحوهاِ (٢)، فقد تفرقت هذه اللهجات المنسوبة للقبائل العربية مَصحوبةً بالشواهد الشعرية التي تَشهدُ لها ولكيفيةِ نُطقِها في كتب التفسيرِ والقِراءات والمَعاني والغَريب. وكانَ كتابُ «معاني القرآن» للفراء، و «مجاز القرآن» لأبي عُبيدة من مصادر الشواهد الشعرية الخاصة باللَّهَجاتِ، واعتمد المفسرون عليهم في نقل هذه اللهجات وشواهدها الشعرية، بل إِنَّ الطبري قد اعتمد بشكل كبير على الفراء، وكثيرًا ما تقرأ في تفسيره عبارة «ذكر الفراء أَنَّ أَبا الجرَّاحِ أَنشدهُ»، أو «ذَكر الفراءُ أَنَّ بعض العَربِ أَنشدهُ»، أو غير ذلك من الصيغ والعبارات التي تدلُّ على اعتماد الطبري على الفراء، وقد يذكره الطبري تلميحًا كقوله: «وأَمَّا بعضُ نَحويي الكوفةِ»، أو «وقال بعضُ نَحويي الكوفة .. وأنشد في ذلك». ولعلَّ الطبريَّ قد قرأ كتب الفراء ورواها عن شيخه ثعلب (ت ٢٩٠ هـ)، الذي ذكر عن نفسه أَنَّهُ حَفِظَ كتبَ الفراء حتى لَم يُبْقِ منها حرفًا ولَهُ خَمسٌ وعشرون سنة (٣)، والطبريُّ قد لازم ثعلبًا، وأَخَذَ عنه اللغةَ والشِّعرَ


(١) انظر: إنباه الرواة ٤/ ١٣٥.
(٢) انظر: القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث لعبد الصبور شاهين ٢٦٧، لغة القرآن الكريم ١١١.
(٣) انظر: الفهرست ١١٦.

<<  <   >  >>