للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإِنَّما هي كالقَسِيِّ من الدراهم، وهي التي خالطها غِشٌّ وتدليسٌ، فكذا القلوب لم تَصْفُ للإِيْمانِ، بل خالطها الكفرُ والفسادُ، ومن ذلك قول أَبي زُبيدٍ:

لَها صَواهِلُ في صُمِّ السِّلامِ كما ... صَاحَ القَسِيَّاتُ في أَيدي الصَّيَارِيفِ (١)

ومنه قول الآخر (٢):

فمَا زَوَّدانِي غَيْرَ سَحْقِ عِمَامَةٍ ... وخَمسِ مِئٍ مِنها قَسِيٌّ وزِائِفُ (٣)

قال أبو عليّ (٤): هذه اللفظةُ معرَّبةٌ، وليست بأصلٍ في كلامِ العرب (٥)». (٦)

وقد اختار الطبري قراءة "قَسِيَّة" فقال: «وأَعجَبُ القراءتين إِليَّ في ذلك قراءةُ مَن قرأَ: "وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً"؛ لأَنَّها أبلغ في ذَمِّ القومِ مِن {قَاسِيَةً} [المائدة: ١٣]. (٧) غير أَنَّهُ ذهب في تأويلها إلى معنى القَسوةِ لا إِلى القِسِيِّ، فقال: «وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأَوله فعيلةً من القَسوةِ، كما قيل: نَفسٌ زكيَّةٌ وزاكيةٌ، وامرأةٌ شاهدةٌ وشهيدةٌ؛ لأن الله جلَّ ثناؤه وصفَ القومَ بنقضهم ميثاقَهم، وكفرِهم بهِ، ولم يصفهم بشيءٍ من الإيمانِ فتكون قلوبهم موصوفةً بأَنَّ إِيمانَها يُخالِطهُ كُفرٌ، كالدراهم القَسِيَّةِ التي يُخالِط فِضتَها غِشٌّ». (٨)


(١) الصَّواهلُ: جَمعُ الصاهلة، مصدرٌ على فاعلة، بِمعنى الصَّهيلِ، وهو صوتُ الخيلِ. والقَسيَّاتُ: ضَربٌ من نقودِ الفِضةِ الزائفة، والصَّياريفُ والصَّيارفُ: جَمعُ الصَّرَّاف، والصَّيْرَفُ والصَّيْرفيُّ هو النَّقَّادُ البصير بالنقود. وهو يصف بذلك وقع مساحي الذين حفروا قبر عثمان بن عفان رضي الله عنه على الصخور، وهي السِّلامُ. انظر: ديوان أبي زبيد الطائي ٣٨.
(٢) هو مزرد بن ضرار الغطفاني.
(٣) سَحقُ عِمَامةٍ: أي شيء زهيد. انظر: إصلاح المنطق ٣٣٢.
(٤) هو أبو علي الفارسي. انظر: الحجة للقراء السبعة ٣/ ١٨٤.
(٥) انظر: المعرب للجواليقي ٣٠٥ وقد استشهد بالشاهدين اللذين استشهد بهما ابن عطية.
(٦) المحرر الوجيز ٥/ ٥٩ - ٦٠.
(٧) تفسير الطبري (هجر) ٨/ ٢٥٠.
(٨) تفسير الطبري (هجر) ٨/ ٢٥١.

<<  <   >  >>