للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البلاغة والبيان، لأنه هو الشاهد الوحيد الذي يدل على مدى فصاحتهم وبلاغتهم. قال محمود شاكر: «وهذه الصفات تفضي بنا إلى التماس ما ينبغي أن تكون عليه صفة كلامهم، إن كان بقي من كلامهم شيء، فالنظر المجرد أيضًا، يوجب أمرين في نعت ما خلفوه:

الأول: أن يكون ما بقي من كلامهم، شاهدًا على بلوغ لغتهم غاية من التمام والكمال والاستواء، حتى لا تعجزها الإبانة عن شيء مما يعتلج في صدر كل مبين منهم.

الثاني: أن تجتمع فيه ضروب مختلفة من البيان لا يجزئ أن تكون دالة على سعة لغتهم وتمامها ... فهل بقي من كلامهم شيء يستحق أن يكون شاهدًا على هذا ودليلًا؟ نعم، بقي الشعر الجاهلي». (١)

فقد سعى أولًا إلى تَخليصِ مَفهومِ الإعجازِ في القرآنِ، وأَنَّهُ من قِبَلِ النظمِ والبَيانِ، ثُمَّ ساقَهُ الاستدلالُ إلى تحديدِ صفةِ القومِ الذين تَحدَّاهم، وصفة لغتهم، ثم خرج إلى طلبِ نعتِ كلامِهم، والتمسَ الشاهدَ والدليل على الذي أَدَّاهُ إليه النَّظرُ فإذا هذا الشاهد والدليل هو ما تبقى من الشِّعرِ الجاهلي، ليكون مدخلًا لدراسة إعجاز القرآن.

وما صنعه محمود شاكر من التوفر على دراسة شعر الجاهلية زمنًا طويلًا، أداه إلى أن يستخلص منه دلالته أنه شعر قد انفرد بخصائصه عن كل شعر جاء بعده من شعر أهل الإسلام». وإذا صحت له هذه المقدمة، وهي عنده صحيحة لا يشك فيها، «وجب أن ندرس هذا الشعر دراسة متعمقة، ملتمسين فيه هذه القدرة البيانية التي يمتاز بها أهل الجاهلية عمن جاء بعدهم، ومستنبطين من ضروب البيان المختلفة التي أطاقتها قوى لغتهم وألسنتهم، فإذا تم لنا ذلك، فمن الممكن القريب يومئذٍ أن نتلمس في القرآن الذي أعجزهم بيانه، خصائص هذا البيان المفارق لبيان البشر». (٢)


(١) مداخل إعجاز القرآن ١٦٦.
(٢) مداخل إعجاز القرآن ١٧٠.

<<  <   >  >>