للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتساوون - من حيث عدد الشواهد - مع طبقة الجاهليين، ويزيدون على طبقة المخضرمين (١).

ففي «مجاز القرآن» لأبي عبيدة احتج بثلاثةٍ وخَمسينَ شاعرًا من طبقة الإسلاميين، في حين احتجَّ بِخمسةٍ وستين شاعرًا من طبقةِ الجاهليين، وواحدٍ وأربعين شاعرًا من المُخضرمين. واحتجَّ الفراء في «معاني القرآن» باثني عشر شاعرًا إسلاميًا، مقابلَ الاحتجاج بتسعةِ شعراء من العصر الجاهلي وثَمانيةٍ من المخضرمين. والطبريُّ في تفسيره احتجَّ بثلاثةٍ وستينَ شاعرًا إسلاميًا. ولذلك يقول البغدادي عن طبقة الإسلاميين: «والصحيحُ صحةُ الاستشهاد بكلامها» (٢).

والمظنونُ بالعلماء الذين لم يستشهدوا بشعر هؤلاء الشعراء أَنَّهم إِنَّما كانوا يُظهِرونَ التعصبَ للمُتقدمين ترغيبًا للناس في حفظ أشعارهم، وروايتِها؛ لأنَّها حُجةٌ في لغةِ العَربِ، فإِنَّ الشعرَ القديمَ - حتى الردئَ منهُ - صالِحٌ للاحتجاجِ به في تثبيتِ اللغةِ وقواعدِها، وتفسير القرآن والسنة، بِخلافِ شعر المتأخر فإِنَّهُ وإن كانَ جيّدًا لا يصلحُ للحُجةِ، فكان العلماء يرون أَنَّ حفظ أشعار المتقدمين والترغيب في حفظها وروايتها وإِنْ كان فيها ما هو رديءٌ من الفروض المتعينة لحفظ لغة القرآن، بِخلاف أشعار المتأخرين، يدلكَ على هذا أَنَّ العلماء كانوا يعيبون كثيرًا من أشعار المتقدمين من شعراء الجاهلية ومَنْ بعدَهم كما تراه في كتاب الموشح للمرزباني، وفي صدر كتاب الوساطة للجرجاني (٣). ويدلك على ذلك أَنَّ رجلًا أَنشدَ ابنَ الأعرابيِّ شِعرًا لأبي نُواس، فسكتَ ابنُ الأعرابي، فقال له الرجلُ: أَما هذا مِنْ أحسنِ الشِّعرِ؟ قال: بَلى، ولكنَّ القَديمَ أَحبُّ إليَّ (٤).


(١) انظر: «مدى اعتماد المفسرين على الشاهد الشعري» من هذا البحث ص ٢٠٧.
(٢) خزانة الأدب ١/ ٦.
(٣) انظر: الموشح ١، الوساطة ٤ - ٥.
(٤) انظر: الموشح ٣٨٤.

<<  <   >  >>