للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ (١): ينبغي أن يكون خَوْفُه ورجاؤه واحدًا، فأيُّهما غلب هَلَكَ صاحِبُه؛ لأنَّه إن غَلَّب جانِبَ الخَوْفِ أدخله في اليأس والقُنُوت، وإن غَلَّبَ جانِبَ الرَّجاء أدخله في الأَمْن من مَكْر الله.

وقال بعض أرباب السلوك: ينبغي أن يُغَلِّب جانِبَ الرَّجاء؛ لقول الله تعالى في الحديث القُدُسي: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَإِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ بِي شَرًّا فَلَهُ" (٢). وعلى هذا فيُغَلِّبُ جانِبَ الرَّجاء.

وقال بعض العلماء: يُغَلِّب عند فعل الطَّاعات جانِبَ الرَّجاء، فإذا فعل طاعة فلْيُغَلِّب جانب القَبول دون جانب الرَّدِّ، أما في فعل المعصية؛ فإن الأَوْلَى أن يُغَلِّبَ جانب الخَوْف؛ لئلَّا يقع في المعصية.

وقال بعضهم: في حال المَرَضِ يُغَلِّبُ جانب الرَّجاء، وفي حال الصِّحَّة يغلب جانب الخوف؛ لأنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوْ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ" (٣) والمريض قد وُجِدَ فيه سَبَبُ الموت، وهو المرض، فيغَلِّب جانب الرجاء ليموت وهو يُحْسِن الظَّنَّ بالله.

ولو قال قائل: إنَّه يرجع في ذلك إلى نَفْسِ الإنسان، والإنسانُ هو طبيب نفسه؛ إن رأى من نفسه جُنوحًا إلى انتهاك المعاصي والمُحَرَّمات فَلْيَتَوَعَّدْها بالعذابِ حتى


(١) انظر: الاختيارات العلمية لابن تيمية (٥/ ٣٥٩).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، رقم (٧٤٠٥)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم (٢٦٧٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، رقم (٢٨٧٧)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>