نَأخُذ بذلك أو نَرُدَّه على حسَب ما يُوافِق التَّجرِبة؛ فهل هذا يَكون من رَدِّ حُكْم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أو لا؟
أَقول: إذا قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قولًا ولم يَثبُت في حياته أنه رجَعَ عنه فقوله باقٍ ولا يَجوز أن نُخالِفه، ولو كان في مَسأَلة طِبٍّ؛ ولهذا لمَّا قال - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لْيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفي الْآخَرِ دَوَاءً" أو قال: "شِفَاءً"(١)، فلا يَجوز أن نَقول: واللهِ هذا يُخالِف الطِّبَّ. بل يَجِب علينا أن نَقول: هذا حَقٌّ، ثُمَّ نَعلَم أن الطِّبَّ لم يَصِل إلى هذا العِلْم، أمَّا إذا كان في حَياته ثُمَّ هو نفسه تَراجَع عنه فهذا لا بأسَ.
فمثَلًا الآنَ: النَّجَّارون أَعلَمُ مِنَّا بالنِّجارة، فالنَّجَّار يَعرِف كيف يَنجُر ونحن لا نَعرِف، والمُهَندِسون الذين يَصنَعون السيَّاراتِ، والذين يَصنَعون الراديو، والذين يَصنَعون الساعاتِ أَعلَمُ منَّا بها، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ"، يَعنِي: ما تَصنَعونه وتُباشِرونه على وجهٍ مَحسوس فأنتُم أَعلَمُ بها، أمَّا أَحكام دُنْيانا فهي إلى الله تعالى ورسولِه - صلى الله عليه وسلم - هما أَعلَمُ بذلك.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: اختِلاف مَراتِب الذُّنوب؛ فإن الذُّنوب مَراتِبُ تَتَفاضَل كما أن الحَسَناتِ مَراتِب تَتَفاضَل.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنه يَنبَني على هذه الفائِدةِ زيادة الإيمان ونَقْصه؛ لأنه كلَّما كان الذنب أَعظَمَ كان نَقْص الإيمان به أكبَرَ.