ومن الثاني - وهو دُعاء العِبادة - قولُه تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر: ٦٠]
فهؤلاء القومُ يَدْعون من دون اللهِ تعالى دُعاءَ مَسأَلة ودُعاء عِبادة؛ لأن اللَّفْظ عامٌّ، والمَعنَى: أَخبِرونا عن هذه الأَصنامِ التي تَدعونها من دون الله تعالى هل يَنفَعْنَ مَن دعاهُنَّ؟ هل يَجلِبن النفع أو يَدفَعْن الضُّرَّ:{إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}؟
والجَوابُ: لا، إِذَنْ كيف تُعبَد من دون الله تعالى؟! وكيف تُدعَى من دون الله تعالى؟! والله عَزَّ وَجَلَّ إذا أَراد بي شيئًا ضَرًّا لم يَملِكن دَفْعه، وإذا أَرادني برحمة لم يَملِكْن إمساكَ هذه الرحمةِ.
يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[لا]{قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} يَعنِي: لا يُهِمُّني أن تُهدِّدوني بهذه الأصنامِ، فإن حَسْبي اللهُ، أي: كافِيني عمَّن سِواه، والجملة في {حَسْبِيَ اللَّهُ} يَجوز أن يَكون فيها تَقديمٌ وتأخير، فنُعرب {حَسْبِيَ} خبَرًا مُقدَّمًا، و {اللَّهُ} مُبتَدَأ مُؤخَّرًا، ويَجوز أن نَقول:{حَسْبِيَ} مُبتَدَأ و {اللَّهُ} خبَر، ويَختَلِف هذا الإعرابُ باختِلاف المَعنَى، فإن أَرَدْت أن تُخبِر عن الحَسْب بأنه اللهُ فاجعَلِ الحَسْب مُبتَدَأ، وإن أَرَدْت أن تُخبِر عن الله بأنه الحَسْب فاجعَلْ {حَسْبِيَ} خبَرًا مُقدَّمًا.
والآية من حيثُ المَعنَى صالحِةٌ لهذا وهذا، فالله تعالى هو الحَسْب، والحَسْب