للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُسلِمين فمَن نُجاهِد؟ لا أحَدَ، لكن إذا كان هناك كافِر ومُؤمِن قام سُوق الجِهاد، ولا يَخفاكُم ما في الجِهاد من الخير والفَضْل العظيم.

خامِسًا: لولا المَعاصي لفاتَتِ الحِكْمة من خَلْق الخَلْق كلهم، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} يَعنِي: على الهُدى {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: ١١٨، ١١٩].

سابِعًا: لولا المَعاصِي لم يَكُن لخَلْق الجَنَّة والنار حِكْمة؛ لأن الجَنَّة لمَن عصَى واستَغفَر الله تعالى، ولو لم يَكُن عُصاةٌ لكان خَلْق النار عبَثًا؛ ولهذا قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.

فتَبيَّن الآنَ أن ما يُقدِّره الله عَزَّ وَجَلَّ ممَّا يَكرَهه له فوائِدُ كبيرة عَظيمة، وحينئذٍ يَكون مُرادًا لله تعالى مُرادًا لغيره، وهو من هذه الناحيةِ مَحبوبٌ إلى الله تعالى، فتَبيَّن بهذا سُقوط الإيراد الذي أَوْرَدناه أوَّلًا، وهو كيف يُريد الله تعالى المَعاصيَ وهو يَكرَهها؟ ومثل هذه الفوائِدِ قد لا تَجِدونها في كِتابٍ؛ ولذلك أَحُثُّكم على الاحتِفاظ بها وتَقييدها.

ونَظير ذلك في الأمور المَحسوسة أن الأبَ أو الأُمَّ يَأتي إلى ابنه المَريض فيَكويه بالنار وتُؤلِمه وتُحرِق جِلْده، لكن لطلَب الشِّفاء؛ فكَيُّه مَكروه غير مَحبوب له، لكنه مَحبوبٌ لغيره، أي: لما يَنتُج عنه من المَصالِح، وبهذا تَبيَّن أنه لا مانِعَ من أن يَكون الشيء مَكروهًا من وجهٍ ومَحبوبًا من وجهٍ.

ونَرجِع إلى الفَرْق بين الإرادتين: (الشرعية والكونية)، فما هي التي يَلزَم فيها وُقوع المُرادُ؟

<<  <   >  >>