للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كونها سببًا إمَّا عن طريق الشَّرْع، وإمَّا عن طريق الحِسِّ والتَّجارِب، فأمَّا مُجرَّد تَوهُّم كون هذا سببًا فإن ذلك من الشِّرْك، وانتَبِهوا لهذه المَسأَلةِ، فمِن دَلالة كون الشيء سببًا شرعًا أن القرآن شِفاءٌ لما في الصدور، وهو مرَض الشُّبُهات والشَّهَوات، وشِفاءٌ لما في الأبدان؛ لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للذي قرَأَ بالفاتِحة على اللَّديغ: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ" (١)، فمِن أين علِمنا أن القُرآن شِفاء من الشَّرِّ؟ وقد يَكون بالتَّجارِب مثل أن نَعرِف أن السَّنَا مُسْهِل، ومن أين عرَفناة هل في القرآن والسُّنَّة أن السَّنَا مُسهِل؟

الجَوابُ: لا، لكن بالتَّجارِب، والسَّنَا يُسمَّى بلُغَتنا في القَصيم (السَّنَاوَيْن) مُثنًّى، وهو سَنًا واحِد! لكنه نوع من أَوْراق الشجَر المعروف يُشبِه السِّدْر، فإذا دُقَّ ونُقِع في الماء لمُدَّة عِشرين ساعةً أو نحوها، وشرِبه الإنسان فانه يَسْلُت ما في بَطْنه من الأذى ويُسهِله، وله رائِحة كريهة، لكن الناس يَجعَلون معه بصَلًا؛ ليُعمِّيَ رائِحته، وإن كان البصَل خَبيثًا، لكنه أهوَنُ؛ لأنه أخَفُّ الضرَرين.

وعلى كل حال: عرَفنا أن السَّنَا مُسهِل من التَّجارِب، وغالِب الأدوِية الموجودة الآنَ من هذا النَّوعِ من التَّجارِب، أمَّا شيء مَوْهوم فهذا لا يَجوز اعتِماده، بل هو نوعٌ من الشِّرْك، وقد ثبَت أن التِّوَلة شِرْك؛ لأنه لم يَثبُت كونها سببًا لمَحبَّة الرجُل لزوجته أو الزوجة لزوجها لا شرعًا ولا قَدَرًا، يَعنِي: ولا حِسًّا، فيَكون إثبات كونها سبَبًا شِرْكًا؛ لأنك أَثبَتَّ ما لم يُثبِتِ الله تعالى، فكأنك جعَلْت نَفْسك مثل الله تعالى في إثبات الأسباب ومَفعولاتها.

إِذَنْ: قوله تعالى: {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} لا يُنافِي فِعْل الأسباب، بل


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية، رقم (٢٢٧٦)، ومسلم: كتاب السلام، داب جواز أخذ الأجرة على الرقية، رقم (٢٢٠١)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>