الجِدار. فهل يُمكِن عقلًا أن تَتَحدَّث عنه؟! ولو تَحدَّثت عنه لكنتَ مُخرِّفًا، فهؤلاء الذين رجَعوا للعَقْل هم رجَعوا إلى الهوى في الحقيقة، فهو هوًى وليس بعَقْل، لكن صحيحٌ أنه عَقْلٌ؛ لأنه عَقَلَهُم عن إصابةِ الصواب وإلَّا فليس بعَقْلٍ.
ونحن حينما نَقول: احرِصوا على الأدِلَّة العَقليَّة. لا نقول: عَقْل هؤلاء؛ لأن كل حُجَّةٍ يُورِدها هؤلاء فليست بحُجَّة، ولكنها شُبْهة، والذي يُزيلها هو العَقْل الصريح مع النَّقْل الصحيح.
ثُمَّ إن بعض الأدِلَّة العَقْلية لا شكَّ أنها قد تَخفَى على بعض الناس، ولكن الإنسان إذا تَأمَّل في دَلالة القرآن وجَدَ فيها كثيرًا من الأدِلَّة العَقلية، مثل مُحاجَّة إبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لقومه، ومثل مُحاجَّة الله عَزَّ وَجَلَّ عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في آخِر سورة الطور، هذه كلُّها أدِلَّة عَقلية، وكذلك النظَر والتَّأمُّل في الكون والمخلوقات يَدلُّك على هذا، وكذلك في الطُّرُق الحِسابية تَهتَدي بها كثيرًا بالعقل، كأَنْ نَعرِف نِصْف الاثنَيْن واحِد، وضِعْف الواحِد اثنان، فيُمكِن أن تَهتَديَ بمِثْل هذه الطرُقِ إلى الأدِلَّة العَقلية.
وعلى كل حال: الأدِلَّة العَقلية في الحَقيقة هي أوَّلًا غَريزة من الله عَزَّ وَجَلَّ يَجعَلها في قَلْب المَرْء، ثُمَّ اكتِساب ثانيًا بالتَّمرُّن على مُطالَعة الكُتُب، تَبحَث في هذا ككُتُب شيخ الإسلام ابنِ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ، فتَستَفيد فائِدة كبيرة.
ولا يَخفَى أن الأدِلَّة العَقْلية يَعنِي: الأدِلَّة الحِسِّيَّة؛ لأن الأدِلَّة الحِسِّية طريقٌ إلى الأدِلَّة العَقلية، والأدِلَّة العَقلية قِسمان: أدِلَّة نَظرية، وأدِلَّة حِسِّية، وهي أقوى من الأدِلَّة النَّظرية.
فالأدِلَّة الحِسِّية مثَلًا: حُدوث العالَم؛ بماذا نَعرِف أنه حادِث؟ بتَغيُّره من حالٍ إلى حالٍ، ومن شَخْصٍ إلى آخَرَ، فهذا يَموت، وهذا يَحيا، وما أَشبَه ذلك، ونَستَدِلُّ