أيضًا في حُدوث العالَم بأنه ما من شيء مَوْجود إلَّا وهو إمَّا حادِثٌ بنَفْسه، أو مُحدِثه غيره، أو حادِث صُدْفةً هكذا، وكل هذه الثلاثةِ مُمتَنِعة إلَّا واحِد، وهو: أنه أَحدَثه غيره.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الأصنام لا تَملِك شيئًا لعابديها لا جَلبَ نَفْع ولا دفعَ ضَرَر.
فإن قال قائل: إن من الناس مَن يَدعو الصنَم فيُستَجاب له كما نَسمَع عن ذلك كثيرًا؟
فالجَوابُ: أن كلام الله تعالى حقٌّ وصِدق مُطابِقٌ للواقِع تمامًا، وقد بيَّن الله تعالى في آية أُخرى أنه لا أحَدَ أضَلُّ عَقلًا ولا أَسفَهُ طريقًا {مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: ٥، ٦]. لكن ما حصَل من مثل هذه الأُمورِ من كون الرجُل دعا وَليًّا أو صاحِب قَبْر أو ما أَشبَه ذلك فزال عنه ضُرُّه فإنما هو امتِحانُ من الله عَزَّ وَجَلَّ حصَل عند الشيء لا بالشيء، فمثَلًا: لو أن رجُلًا دعا قَبْرًا وكشَف عنه الضُّرَّ هل نَقول: إن صاحِب القَبْر هو الذي كشَفه؟ لا أبدًا، بل نَجزِم - مثل الشمس - أن صاحِب القبر لم يَنفَعْه، ولكن الله عَزَّ وَجَلَّ ابتَلى عابدَ هذا القبرِ بأَنْ حصَل الشيء عنده لا به، وفَرْق بين الشيء الذي يَحصُل بالشيء والشيء الذي يَحصُل عند الشيء.
والله عَزَّ وَجَلَّ قد يَبتَلي الإنسان بمِثْل هذا فيُيسِّر الله تعالى له أسباب المَعْصية والشِّرْك ابتِلاءً وامتِحانًا، أرأَيْتم أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين حَرَّم الله تعالى عليهمُ الصيد في حال الإحرام، فابتَلاهمُ الله تعالى بصيدٍ تَناله أيديهم ورِماحهم، الطائر يَناله الرُّمْح، والساعي العادي تَناله الأَيْدي، يَعنِي: الظِّباء والأرانب وما أَشبَهَها يُمسِكونه