للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه حُجَّةً، ولكن أمير المُؤمِنين - رضي الله عنه - عدَل عن ذِكْر الشَّرْع اقتِصارًا على ما احتَجَّ به هذا السارِقُ.

ونَقول لهذا الرجُلِ: لو خُيِّرت بين بلَدين أحدُهما بلَدٌ آمِن مُطمَئِنٌّ يَأتيه رِزْقه رغَدًا من كل مَكان، والثاني بلَدٌ خائِف وجوع ومرَض فهل تَذهَب إلى الثاني، وتَحتَجُّ بقدَر الله تعالى؟ أو إلى الأوَّل، وتَقول: إن الله تعالى أَعطاني عَقْلًا ففضَّلْتَ الأوَّل؟ سيَقول: إن الله تعالى أَعطاني عَقْلًا ففَضَّلْتُ البلَد الآمِن، ولا يُمكِن أن يَذهَب إلى البلَد الخائِف ويَقول: هذا بقَضاء الله تعالى وقدَره. لو ذهَب إلى البلَد الخائِف باختياره وقال: هذا بقضاء الله تعالى وقدَره. لقال الناس: إن هذا الرجُلَ مَجنون، إذ إنه لا يُمكِن أن يَختار مثل هذا البلَدِ على البلد الأوَّلِ.

وبهذا تَبيَّن بُطلان مَن احتجَّ بالقضاء على مَعاصِي الله تعالى، حتى مَن احتَجَّ بالقضاء على تَرْك الأفضل هو أيضًا مُخطِئ، ويُؤيِّد ذلك الوجهُ الأخيرُ؛ حيث اختار البلَد الآمِن الذي يَأتيه رِزْقه رغَدًا من كل مَكان.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن هؤلاء الذين أُصيبوا بالعَذاب أُصيبوا بالجزاء العَدْل؛ وذلك لأنهم كذَّبوا بالآيات واستَكْبَروا عنها، وهذا جزاؤُهم؛ لأن هذا الجزاءَ الذي أُصيبوا به ليس خافِيًا عليهم ولا مَكتومًا عنهم، فإن الرُّسُل جاءَتْهم بالأحكام والأخبار، والترغيب والترهيب، وقد دخَلوا على بصيرة، فيَكون جَزاؤُهم عَدْلًا لا جَوْرًا؛ لأنهم علِموا ماذا يُلاقون إذا كذَّبوا واستَكْبَروا.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن التَّكذيب بآيات الله تعالى كُفْر، والاستِكْبار عن أحكام الله تعالى كُفْر؛ لقوله تعالى: {وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.

<<  <   >  >>