للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظَهْره، قال تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: ١٨٧]، كأنه يُقال له: جَزاؤك من جِنْس عمَلك.

وقيل: بل إن من الناس مَن يَأخُذه بشِماله من قِبَل الشِّمال، ومن الناس مِن وراء ظَهْره فتَكون صِفَتَيْن، والله أَعلَمُ.

فإن قال قائِل: ألَا يُمكِن أن نَقول: إن أَخْذ الكُفَّار المُعرِضين عن كِتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وآياته الكِتابَ بيُسراهم من وراء ظُهورهم، لا يَستَوِي مع أَخْذ المُؤمِنين العُصاة الكِتاب بيُسراهم؟

فالجَوابُ: أنه لا دليلَ على هذا، فمَن يَقول: إن عُصاةَ المُؤمِنين يَأخُذون الكُتُب بشِمالهم، وقَوْل الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} لا يُثْبِتُ هذا المَعنَى، فلو ثبَت أن عُصاة المُؤمِنين يَأخُذون بالشِّمال لكان لا بأسَ، لكن الآية تَقول: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (٢٦) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (٢٧) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة: ٢٥ - ٣٣]، فهذا في الكافِر.

وقوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ}: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} جاء بهم الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأن المُلْك في ذلك الوقتِ لله تعالى، فله التَّصرُّف فيُؤتَى بالنَّبيِّين، و (النَّبيِّين) هنا يَشمَل النَّبيِّين الذين أُرسِلوا، والنَّبيِّين الذين لم يُرسَلوا، فهو عامٌّ.

قوله تعالى: {وَالشُّهَدَاءِ} الشُّهداء جمع شَهيد، وليس المُراد بالشُّهداء الذين قُتِلوا في سبيل الله تعالى، بل المُرادُ بالشُّهداء الذين يُستَشهَدون يوم القِيامة، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [أي: بمُحمَّد - صلى الله عليه وسلم - وأُمَّته، يَشهَدون للرُّسُل بالبَلاغ].

<<  <   >  >>