للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمَّا قوله رَحِمَهُ اللهُ: [أي: بمُحمَّد] فظاهِره أنه يُريد أن يُفسِّر النَّبيِّين بمُحمَّد، فيَكون على تفسيره عامًّا أُريد به الخاصُّ، وهذا غير مُسلَّم به، بل الصوابُ: أنه عامٌّ باقٍ على عُمومه، أي: يُؤتَى بالنَّبيِّين كلهم يَشهَدون على أُمَمهم بأنهم بلَغوهم.

أمَّا قوله: (الشُّهَداء) فهو من باب عَطْف العامِّ على الخاصِّ، والمُراد بهم: الذين يَشهَدون على الأُمَم وللرُّسُل، وهم هذه الأُمَّةُ، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣] مُحمَّد - صلى الله عليه وسلم - {عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، فالرُّسُل شُهَداءُ على أُمَمهم يَقولون: يا ربَّنا نَشهَد أنك أَرسَلْتنا إلى أقوامنا وأننا بلَّغْناهم.

ولا يُمكِن أن يَقول أحَدٌ في ذلك اليومِ: هذه دَعْوى، فأين البَيِّنة؟ لأنه لو قال مثل هذا القولِ فإنه يَشهَد عليه أَعضاؤُه، والله تعالى يَشهَد قبل كل شيء.

أمَّا الشُّهَداء فهُمْ أُمَّة مُحمَّد - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}، وهذه الأُمَّةُ - ولله الحمدُ - تَشهَد على الناس في الدُّنيا وفي الآخِرة، ونحن الآنَ نَشهَد أن الله تعالى أَرسَل نوحاً عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى قومه، ونَشهَد أن قومَه أُبلِغوا على الوجه الأَكمَل، ونَشهَد أنه بَقِيَ فيهم ألفَ سَنَة إلَّا خَمْسين عامًا، كل هذا نَشهَد به، بما علَّمنا الله عَزَّ وَجَلَّ في كِتابه، فيَوم القِيامة تَكون الشهادة لنا على الأُمَم.

وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [يَشهَدون للرُّسُل بالبَلاغ] لو قال: (وعلى الأُمَم بإقامة الحُجَّة) لكان هذا خيرًا، فنحن كذلك نَشهَد على الأُمَم بأنهم بُلِّغوا، وأُقيمت عليهم الحُجَّة، فلنا شَهادتان: شَهادة للرُّسُل، وشهادة على الأُمَم.

وقوله تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أيِ: العَدْل، والقاضي هو الله عَزَّ وَجَلَّ، لكن

<<  <   >  >>