ويَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[لأنها كلها لا يُختار فيها مَكان على مَكان]، فجَنَح المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ إلى الاحتِمال الثاني: أن كل إنسان في مَكانه لا يَخْتار مَكانَ غيره.
فإن قال قائِل: قال الله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} لماذا لم يَقُل: (ونَتبَوَّأ)؛ ليَكون العَطْف يَقتَضي المُغايَرة؟
فالجَوابُ: أنه يُقال: إن جُمْلة (نَتَبَوَّأ) حال، {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ} يَعنِي: حالَ كَوْننا مُتَبوَّئِين، وهي حال مُقدَّرة، والحال المُقدَّرة هي التي يَتَّصِف بها صاحِبها بعدُ، يَعنِي: لا حال الفِعْل أو حال التَّلبُّس بها، فنَقول: الحال هنا صحيح أننا لسنا نَتَبوَّأ من الجَنَّة في نَفْس الدُّنيا، لكنها حال مُقدَّرة، والحال المُقدَّرة هي أن الحال تَقَع بعد عامِلها؛ وتَقدَّم أنَّه يَمتَنِع أن تَكون أرض الجَنَّة لشَيْئين.
وقوله: [{فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} الجَنَّةُ]: [الجَنَّةُ] بالضَّمِّ على أنَّها مَخصوص، والفاعِل {أَجْرُ}، و (نِعْمَ) و (بِئْسَ) يَحتاجان إلى شَيْئين: فاعِل ومَخصوص، الفاعِل واضِحٌ والمَخصوص يَكون محَذوفًا في الغالِب.
وقوله تعالى:{فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}: (نِعْمَ) فِعْل جامِد لإِنْشاء المَدْح، والأجر هنا بمَعنَى الثواب، ولكن الله تعالى سمَّاه أَجْرًا تَفضُّلًا منه ومِنَّةً، كأننا استَحْقَقنا ذلك وجوبًا كما يَستَحِقُّ العامِل أُجْرته وجوبًا.
فإن قال قائِل: وهل يَجِب على الله تعالى أن يُثيبَنا؟
فالجَوابُ: يَجِب بوَعْده فإنه وَعَد أن يُثيبَنا، وما وَعَد به فإنه لا يُمكِن إخلافُه.
إِذَن: فالوُجوب هنا ليس منَّا على الله تعالى، بل مِن الله تعالى على نَفْسه؛ قال تعالى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنعام: ٥٤].