والجَنَّة في الأصل البُستان الكثير الأشجار، وسُمِّيَ بذلك؛ لأنه يَجِنُّ مَن فيه. أي: يَستُره لكَثْرة أشجاره. والمُراد بها شَرْعًا دار النَّعيم التي أَعَدَّها الله تعالى لأَوْليائه، فيها ما لا عَينٌ رأَتْ، ولا أذُنٌ سمِعَت، ولا خطَرَ على قَلْب بشَرٍ، وسَقْفها عَرْش الله عَزَّ وَجَلَّ، فهم أَقرَب الناس إلى الله.
وقوله:{جَنَّاتِ عَدْنٍ} العَدْن بمَعنى الإقامة، يُقال: عدن بمَكان، أي: أَقام، ومنه سُمِّي المَعدِن لمَعادِن الأرض؛ لأن المَعدِن مُقيم ثابِت راسِخ في الأرض، فجَنَّات عدن أي: جنَّات إقامة، ووُصفت بذلك؛ لأن أهلَها لا يَبغون عنها حولًا، ولأنها دائِمة أَبَدَ الآبِدين.
وقوله:{الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} صِفة {جَنَّاتِ}، وإنَّما قالوا ذلك اعتِرافًا بفَضْل الله تعالى أوَّلًا وآخِرًا، وتَوسُّلًا إليه بتَحقيق ما طلَبوا؛ لأنَّ الله إذا وعَد شيئًا أَتمَّه، فإنه لا يُخلِف المِيعاد، فصار ذِكْر قول:{الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} له فائِدتان:
الأُولى: الاعتِراف بفَضْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ حيث وعَدَهم هذه الجَنَّاتِ.
الثانية: التَّوسُّل إلى الله تعالى بإجابة الدُّعاء، كأنهم يَقولون: أَدخِلهم هذا؛ لأنك وعَدْتهم إيَّاه، فيَكون من باب التَّوسُّل بوَعْده إلى تَحقُّق مَوْعوده.
وقوله:{وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} مَن صلَح يَقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [عَطْف على (هُمْ) في {وَأَدْخِلْهُمْ} أو في {وَعَدْتَهُمْ}]، فالواو حرف عَطْف، و {وَمَنْ} اسم مَوْصول مَبنيٌّ على السُّكون في مَحَلِّ نَصْب عطفًا على