للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التِزام، قد يُنكِرها مُنكِر ولا يَلتَزِم بها.

فإن قال قائِل: نَفيُ العدَم يَعنِي القول بأن الله لا فوقُ ولا تَحتُ، ولا يَمينُ ولا شِمالُ، فبماذا استَدَلَّ القائلون به؟

فالجوابُ: نَقول: لأنك إذا أَثبَتَّ أنه في جِهة فقد جسَّمْت - أي: جعَلْته جِسْمًا - إذا صار فَوقُ مَعناه أنه جِسْم، وَيمينًا وشِمالًا كذلك، كل هذا فِرارًا من التَّجسيم، والسبَب أنَّ الشَّيْطان تَلاعَب بهم في الواقِع، وإلَّا نَقول لهم: ما هو التَّجسيم الذي تُريدون أن تَنفُوه عن الله، تُريدون أن الله ليس بشَيْء؟ فنَحْن لا نُوافِقُكم، تُريدون أن الله تعالى جِسْم مَوْصوف بالصِّفات الكامِلة؟ فهو كذلك هو مَوْصوف بالصِّفات الكامِلة، لكن لا نُطلِق لفظ جِسْم على الله أَبَدًا، وقد ورَد في الحَديث ما يَدُلُّ على أنه يُوصَف بالشخص (١)، ومع ذلك لا نَقول: إنه شَخْص كأشخاص المَخلوقين أَبَدًا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

فالحاصِلُ: أنَّ العُلوَّ قول المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْعَلِيِّ} على خَلْقه] نَقول: العُلوُّ نَوْعان: عُلوُّ صِفة، وعُلوُّ ذاتٍ.

أمَّا عُلوُّ الصِّفة: فهذا لم يُنكِر أحَد من أهل القِبْلة حتى المُبتَدِعة أنه مَنفيٌّ عن الله، كلُّهم يُثبِتون لله عُلوَّ الصِّفة، لكن أهل التَّعطيل يَرَوْن التَّعْطيل من باب التَّنزيه، ورَفْع الله عَزَّ وَجَلَّ، وأَهْل التَّمثيل كذلك يَرَوْن هذا من باب تَعظيم الله عَزَّ وَجَلَّ وإثبات حَقيقته.

وأمَّا عُلوُّ الذات: فهو الذي انقَسَم فيه الناس إلى هذه الأقسامِ الثلاثةِ التي سمِعْتُموها.


(١) أخرجه مسلم: كتاب اللعان، رقم (١٤٩٩)، بلفظ: "لا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ الله".

<<  <   >  >>