للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا عن يَميني وهو أسفَلُ شيء، لكن مع الجِهة اليُمنَى، وهذا عن يَسارِي وهو أسفَلُ شيء، وهو عن الجِهة اليُسْرى، كما جاء في حَديث المِعراج: "أن على يَمينِ آدَمَ أَسْوِدةٌ وعلى يَسارِهِ أَسْوِدَةٌ، فإِذا رَأَى إِلى اليَسارِ بَكَى" (١) اليَسار هي نَسَمُ بنِيه الكفَرة في النار، وهذا في الأسفَلُ، فلا يَلزَم من كون الشيء على يَمينك أن يَكون محُاذِيًا لك، ولا يَلزَم من كون الشيء فوقَك أن يَكون محُاذِيًا لك، ولا من كونه أَسفَلَ منك أن يَكون محُاذِيًا لك، هذا ليس بلَازِم، لكن الذين في قُلوبهم زَيْغ يَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ منه؛ لإيراد التَّشكيك.

القول الثاني: قالوا: لا يَصِحُّ أن يُوصَف الله بأيِّ مَكان، لا فوقَ، ولا تَحتَ، ولا يَمينَ العالَم، ولا شِمال العالَم، ولا اتِّصال بالعالَم، ولا انفِصال من العالَم.

وقد قال محَمودُ بنُ سُبُكْتِكينَ لمُحمَّد بن فورك وهو يُناظِره في هذه المَسأَلة (٢) قال له: إذا قُلت هذا فأَثبِتْ لنا ربَّك، إذا كان لا هو فوقُ ولا تَحتُ، ولا يَمينُ ولا شِمالُ، ولا مُتَّصِلًا ولا مُنفَصِلًا، ولا مُبايِنًا ولا مُحايِثًا أين يَكون؟ لا يَكون، وهذا العدَم تمامًا.

فليس بصحيح أنه ليس بيَمين ولا بشِمال، لكنه وَصَف نَفْسه بما هو أَحسَنُ من هذا؛ لأنه لو قال: لا يَمين ولا شِمال صارَت الصِّفة صِفةً سَلْبية، لكن إذا قال: {هَوَ الْعَلِيُّ} انتَفَى اليمين والشِّمال بوَصْف ثُبوتيٍّ، لا بوَصْف سَلبيٍّ، والوَصْف الثُّبوتي أَكمَل من الوَصْف السَّلبيِّ؛ لأنَّ دَلالة الوَصْف السَّلْبيِّ على الإثبات دَلالة


(١) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، رقم (٣٤٩)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماوات، رقم (١٦٣)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٣/ ٣٧).

<<  <   >  >>