للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: ٤٥].

أمَّا القِسْم الثالِث: فهو الذي حكَم بغَيْر ما أَنزَل الله لهوًى في نفسه، لا كراهةً للحَقِّ، ولا استِبْدالًا له بغيره، لكن يُريد شيئًا في نفسه فحكَم بغير ما أَنزَل الله، مِثْل: أن يَكون يَهوَى، أن تَكون له هذه الأرضُ، أو هذه السَّيَّارةُ، أو ما أَشبَه ذلك فيَحكُم بها لغرَض، ليس قَصدُه ظُلمَ المحكوم عليه، ولكن قَصْده اتِّباع الهَوَى، فيَحكُم، فيَكون بهذا من الفاسِقين.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ الحُكْم لله عَزَّ وَجَلَّ في الدُّنيا والآخِرة.

ولهذا قسَّم بَعْض العُلَماء الحُكْم إلى ثلاثة أقسام: كَونيٍّ، وشَرعيٍّ، وجَزائيٍّ.

والحُكْم الجزائيُّ: ما يَكون في الآخِرة، ولكن الصحيح أن الحُكْم الجزائيَّ لا يَخرُج عن كَوْنه حُكْمًا كونيًّا، لأنه فِعْل الله، وحينَئذٍ لا حاجةَ إلى كَثْرة التَّقاسيم، لأنه كلَّما أَمكَن اختِصار التَّقسيم كان أَوْلى، ولهذا - والله أَعلَمُ - كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يَأتي أحيانًا فيَقول: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ الله، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلهَمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (١)، مع أن هُناك آخَرين لا يُكلِّمهم الله يوم القِيامة، ولا يَنظُر إليهم، ولا يُزكِّيهم ولهم عَذاب أَليم، لكن كون الشيء يُجزَّأ وتُقلَّل أَقسامُه يَكون أقرَبَ إلى الفَهْم.

ولهذا يُفرَّق بين أن تُعطِيَ الماء لشخص عَطشانَ دفعة واحِدة، أو أن تُعطِيَه إيَّاه على دفعات، فالثاني أَهنَأُ وأَبرَأُ وأَمرَأُ، كما جاء في الحديث أنه يَنبَغي للإنسان في شَرابه أن يَتَنفَّس ثلاث مرَّات، الكأس مثَلًا إذا كُنتَ عَطْشانَ لا تَشرَبْه جميعًا، تَنفَّس


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، رقم (١٠٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>