للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آخَرَ محَلَّه، وهذا كُفْر بما أَنزَل الله محُبِط للعمَل، لأنه لا يُمكِن أن يُرفَع الحُكْم الشَّريرُّ إلَّا بعد كراهَته إيَّاه، وقد قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: ٩].

وعلى هذا فالذين يَحكُمون أُمَمَهم بالقَوانين المُخالِفة للشريعة يُعتبرون كُفَّارًا، يَجِب عليهم أن يَتوبوا إلى الله، وأن يَحكُموا بشَريعة الله، وإلَّا ماتوا كُفَّارًا - والعِياذُ بالله - ونحن لا نَحكُم بهذا الشيءِ لكل واحد بعَيْنه، إذ قد يَكون بعضُهم مُلبَسًا عليه، أو مُغرَّرًا به، أو تَكلَّم عنده مَن يَثِقُ به فأَضَلَّه، قد يَكون هذا الذي وضَع القانون غرَّه مَن يَقول: إنَّ الحُكْم الشَّرْعيَّ إنما يَكون فيما بين الإنسان وبين رَبّه في العِبادات والأحوال الشَّخْصية والمَواريث، وأمَّا مَسائِل الدُّنيا فهي لأهل الدنيا، ويُشبّه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتُثم أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ" (١).

فيَأتي هذا الحاكِمُ المِسكينُ الذي لا يَعرِف عن الأمر شيئًا، والذي خُدِع بمَظاهِر الدنيا وزَخارِفها فيَظُنُّ أن هذا هو الحقُّ، فيَضَع القانون المُخالِف للشَّرْع، فمِثل هذا لا نَحكُم بكُفْره، لأنه مُغرَّر به مُؤَوِّل، لكن إذا بُيِّن له ثُمَّ أَصَرَّ حُكِم بكُفْره.

أمَّا الثاني: الحُكْم بغَيْر ما أَنزَل الله الذي يَكون ظُلْمًا، فهو ما كان الحامِلُ عليه حُبُّ الاعتِداء على الغير، لا كراهةَ الشَّرْع، ولا الحُكْم بغير ما أَنزَل الله، لكن لكراهته للغير حكَم على الغير بغَيْر ما أَنزَل الله ظُلْمًا وعُدوانًا، فهذا له حُكْم الظلَمة، وليس له حُكْم الكافِرين، لأَنَّه لم يَكْفر، يَقول: أَعرِف أن ما جاء به الشَّرْع فهو الحقّ، لكن أُريد أن أَنتَقِم من هذا الرجُلِ، وأَعتَديَ عليه، فيَكون هذا له حُكْم الظالِم:


(١) أخرجه مسلم: كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا، رقم (٢٣٦٣)، من حديث عائشة وأنس - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>