للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإقرار: إقراره للجارِية حين قالت: إنَّ الله في السَّماءِ. لمَّا قال لها: "أَيْنَ الله؟ " (١).

وأمَّا الإِجْماع: فقَدْ أَجمَع السَّلَف على أنَّ الله تعالى عال بذاته فوقَ كل شيء، ودَليل هذا الإجماعِ أنه لم يَرِد عنهم حَرْف واحِد يُنافِي ما دلَّ عليه الكِتاب والسُّنَّة من عُلوِّ الله، وهذا يَدُلُّ على أنهم كانوا يَقولون به.

وهذا من الطُّرُق التي ذكَرْناها لكم فيما سبَقَ أنه لو قال قائِل: ائْتُوا لنا بحَرْف واحِد من السلَف يَقول: إن الله عالٍ بذاته. نَقول: لا حاجةَ أن نَأتِيَ لكم بذلك؛ لأن وُرود ذلك في الكِتاب والسُّنَّة من غير أن يَأتِيَ عنهم ما يُعارِضه يَدُلُّ على قولهم به، وهم مجُمِعون على هذا.

وقد ذكَرَ شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللَّهُ كلامًا قال فيه: "والله يَعلَم أني بعد البَحْث التامِّ، ومُطالَعَتي ما أَمكَن من كلام السلَف، لم أَجِدْ أحَدًا منهم صرَّح بأن الله ليس في السَّماء، وأن الأشياء لا تَعرُج إليه" (٢) وذكر نَحوَ هذا.

وعلى هذا فنَقول: إن عُلوَّ الله بذاته قد أَجمَعَ عليه السلَف، فمَن قال بغير ذلك فقد شاقَّ الرسولَ، واتَّبَع غيرَ سبيل المُؤمِنين، ولكن الله اشتَرَط قال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} [النساء: ١١٥].

وأمَّا العَقْل: فدَلالته على عُلوِّ الله ظاهِرة؛ لأننا لو سألنا: أيُّهما أعلى صِفةَّ العالي أو السافِل؟ لقيل باتِّفاق العُقَلاء: إن العالِيَ أكمَلُ، وإذا ثبَت أن العُلوَّ كَمال وجَب


(١) أخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة، رقم (٥٣٧)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه -.
(٢) مجموع الفتاوى (٥/ ١٥).

<<  <   >  >>