أن يَكون ثابِتًا لله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأن الله تعالى مَوْصوف بصِفات الكَمال.
وأمَّا الفِطْرة: فاسأَلْ عنها عجائِز المُسلِمين، لا تَسأَلْ طلَبة العِلْم، اسأَلِ العَجوز: أين الله؟ فتَقول لك: في السَّماء. اسأَلْ كلَّ داعٍ إذا دعا: أين يَطيرُ قَلْبه؟ فيَقول لك: إلى السماء.
وهذه الفِطرةُ هي التي أَلجَمَت أبا المَعالي الجُوَيْنيَّ حين قال له أبو جَعفر الهَمَذانيُّ: يا شَيخُ دَعْنا من ذِكْر العَرْش، لمَّا قال أبو المَعالي: إن الله كان ولا شيء يَعنِي: لا عَرشٌ ولا غيرُه، وهو الآنَ على ما كان عليه. يُريد نَفيَ الاستِواء، إذا كان الله ولا عَرشٌ وهو الآنَ على ما هو عليه لزِم ألَّا يَكون مُستَوِيًا على العَرْش، فقال له: يا شيخُ دَعْنا من ذِكْر العَرْش؛ لأنَّ دليله - دليل استِوائِه على العَرْش - دليل سَمْعيّ، لكن أَخبِرْنا عن هذه الفِطْرةِ التي نَجِدها في نُفوسِنا، ما قال عارِفٌ قطُّ: يا الله. إلَّا وجَد من قَلْبه ضرورة بطلَب العُلوِّ، فلطَمَ أبو المَعالي على رأسه وقال: حيَّرَني الهَمَذانيُّ (١)، تَحيَّر؛ لأنَّ هذا أَمْر فِطْريٌّ لا يُمكِن إنكاره أَبَدًا، إن كان الإنسان يُنكِر أن يَكون بشَرًا أَنكَر ما دلَّت عليه الفِطْرة.
فالحاصِل: أن عُلوَّ الله بذاته دلَّ عليه الكِتاب، والسُّنَّة، والإِجْماع، والعَقْل، والفِطْرة، وهو - ولله الحمد - لا يَحتاج إلى مُنازَعة، ولولا أنَّ أهل البِدَع والتَّعْطيل أَلجَؤُوا أهل السُّنَّة إلى الحديث عنه ما احتاج أن يَتَحدَّث الإنسان عنه؛ لأنه أَمْر فِطْريٌّ لا يَحتاج إلى كبير عَناء، لكن هَؤلاء المُتكَلِّمين المُبتَدِعين المُعطِّلين المُحرِّفين المُنحَرِفين همُ الذين أَلجَؤوا أهل السُّنَّة إلى أن يَقولوا بمثل ذلك، وأن يُحاوِلوا إثبات هذه الأُمور بما يَستَطيعون من الأدِلَّة.