للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأَمْثلة على هذا كَثيرة، كلُّها تَدُلّ على خالِقها - عَزَّ وَجَلَّ -، وعلى تَفرُّده بالخَلْق، وعلى حِكْمته، وعلى رَحْمته، وعلى عِزَّته إلى غير ذلك من مَعانِي الرُّبوبية التي تَدُلُّ عليها هذه الآياتُ، وقد تَكُون آية واحِدة تَدُلُّ على عِدَّة آيات، وعلى عِدَّة أَوْصاف، هذه الآياتُ الكَوْنية شامِلة لكل المَخْلوقات، وفي هذا يَقول القائِلُ:

فَوَاعَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الْإِلَهُ؟ ! ... أَوْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجَاحِدُ

وَفي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ (١)

كل شيء تَتَأمَّل فيه تَجِدُ الدَّلالة الكامِلة على أن له خالِقًا مُدبِّرًا حَكيمًا عليمًا، إلى غير ذلك من مَعانِي الرُّبوبية.

أمَّا الآياتُ الشَّرْعية: فهي ما جاءَت به الرُّسُل وقد أَرانا الله تعالى إيَّاها، وأَعطَى الرُّسُل عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من الآياتِ ما يُؤمِن على مِثْله البَشَر، فالرُّسُل لم يَأْتوا هكذا يَقولون للناس: نَحْن رُسُلٌ إليكم. بل أَتَوْا بالآيات الدالَّة على ما أُرسِلوا به، وعلى مُرسِلِهم.

قوله: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} إِذَنِ الآياتُ تَشمَل: الكونية والشَّرْعية، البَرْق: آيةٌ كَوْنية: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا} [الرعد: ١٢].

وقوله: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} التَّنزيل يَكون من أعلى، وهنا قال: {مِنَ السَّمَاءِ} وهو العُلوُّ، وليس المُرادُ بالسماء هنا السماءَ المَحفوظةَ - السَّقْف المَرفوع -، بل المُراد به العُلوُّ؛ لقوله تعالى: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: ١٦٤]، فالمَطَر ليس يَنزِل من السَّماء السَّقْف المَحفوظ، وإنَما يَنزِل من العُلوِّ،


(١) من شعر أبي العتاهية. انظر: ديوانه (ص: ١٢٢)، ومعاهد التنصيص (٢/ ٢٨٦).

<<  <   >  >>