للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَن دعا غيره ليَحمِل معه مَتاعَه، وما أَشبَه ذلك والغَيرُ لا يَستَطيع أن يَحمِل فهذا ليس بشِرْك أكبَرَ، بل هو إمَّا عبَث وإمَّا شِرْك أصغَرُ، ومَن دعا غائبًا ليُنقِذه من شِدة فهذا شِرْك أكبَرُ؛ لأنَّ هذا يُسمَّى شِرْك السِّرِّ، إذ إن الغائِب لا يُمكِن أن يَدعوَه الإنسان إلَّا وهو يَعتَقِد أن له تَصرُّفًا في الكون، يَتصَرَّف وهو بعيد، بخِلاف مَن دعا قريبًا وقال: يا فُلانُ احمِلْ معِي كذا، أَعنِّي على كذا، فهذا يَدعوه ليَقوم بشَيْء مَحسوس.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: وُجوب إخلاص العِبادة لله؛ لأننا فسَّرنا الدُّعاء بدُعاء المَسأَلة ودُعاء العِبادة، فمَن تَعبَّد لغير الله استِقْلالًا فقد صرَف شيئًا من أنواع العِبادة لغير الله، فيَكون بذلِك مُشرِكًا شِرْكًا أكبَرَ، يَعنِي: مَن صلَّى لشخص فإنَّه يَكون مُشرِكًا شِركًا أكبَرَ، أو ذبَح لشخص تَقرُّبًا إليه وتَعظيمًا له، فإنَّه يَكون مُشرِكًا شِرْكًا أكبَرَ مُخرِجًا عن المِلَّة، وأمَّا إذا فعَل العِبادة لله، لكن راءَى فيها أو سمَّع، فهذا لا يَكون مُشرِكًا شِركًا أكبَرَ، ولكنه مُشرِك شِركًا أصغَرَ، وعِبادته مَردودة عليه؛ لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيما رَواه عن ربِّه: "أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ" (١).

ثُمَّ اعلَمْ أن الرِّياء إذا طرَأ على القَلْب فإن كان قبل الدُّخول في العِبادة أَبطَلها من أَصلها؛ لأنه دخَل فيها على شِرْك، وإن كان في أثناء العِبادة فإن كان آخِرها يَنبَني على أوَّلهِا بطَلَت، وإن كان لا يَنبَني على أوَّلها؛ بحيث يَصِحُّ أن يُميِّز الأَوَّل عن الثاني فإنَّه لا يَصِحُّ ما فيه الرِّياء، ويَصِحُّ ما سبَق الرِّياء.

مِثال الأوَّل: إذا دخَله الرِّياء في أثناء الصلاة في الركعة الثانية، فإنَّ الصلاة


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم (٢٩٨٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>