للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَبطُل كلها؛ لأنه إذا بطَلَت الركعة الثانية لزِم بُطلان الرَّكْعة الأُولى؛ لأنَّ الصلاة لا تَتَبعَّض.

ومِثال الثاني: رجُل أعَدَّ مئة صاعٍ للصدَقة بها، فتَصدَّق بخَمسين صاعًا صدَقةً خالِصة، ثُم دخَله الرِّياء في الأصواع الباقية، فهُنا تَبطُل الأصواع الباقية، أمَّا الأُولى فتَصِحُّ؛ وذلك لأنَّ هذه العِبادةَ - أَعنِي: الصدَقة - تَتَبعَّض ولا يَنبَني آخِرُها على أوَّلهِا، حتَّى لو فُرِض أنَّه ممَّا عيَّنه الشَّرْع، كإطعام سِتِّين مِسكينًا مثَلًا في الكَفَّارة، فأَطعَم ثلاثين مِسكينًا بإخلاص، ثُم بعد ذلك دخَله الرِّياء فإن ما سبَقَ الثلاثين الأخيرةَ يَكون مُجْزيًا؛ هذا إذا استَرسَل مع الرِّياء، وأمَّا إذا طرَأ عليه الرِّياء فدافَع، وما زال جاهِدًا في مُدافَعته فإنَّه لا يَضُرُّه شيئًا؛ لقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ" (١)، وهذا لم يَعمَل ولم يَتكَلَّم، بل رُبَّما أنَّه لم يُحدِّث نَفْسه، لكن هاجَمَه الرِّياء.

فصار الآنَ مَن فعَل العِبادة لغير الله - يَعنِي: تَعبَّد لغير الله - فحُكْمه شِرْك أكبَرُ، ومَن فعَلَ العِبادة لله لكن دخَلها الرِّياء، إن كان قبل الشُّروع في العِبادة بطَلَت، وإن كان في أثنائها ففيه التَّفْصيل، إن كان آخِرها يَنبَني على أوَّلهِا بمَعنى أنَّها لا تَتَبعَّض بطَلَت، وإن كان آخِرُها لا يَنبَني على أوَّلهِا بأن كانت تَتَبعَّض بطَل الجُزء الَّذي وقَعَ فيه الرِّياء وما سبَقَ فهو صحيح، وهذا إذا استَرسَل مع الرِّياء واستَمَرَّ المُرائِي، فإن دافَعه فلا شيءَ عليه، ولا يَضُرُّه ذلك.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان، رقم (٦٦٦٤)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب، إذا لم تستقر، رقم (١٢٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>