للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك قال: "إِنَّ الله يُعْطِي بِالرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ" (١) يَعنِي: لو لم يَكُن إلَّا أن استَعْملنا ما هو أَوْلى، وما يُحِبُّه الله - عَزَّ وَجَلَّ - لكَفَى.

ونحن نُشاهِد الآنَ أنَّ النَّتائِج الطَّيِّبة في الدَّعوة إلى الله برِفْق، وهناك وقائِعُ كثيرة؛ فالرِّفْق كلُّه خير، وهذا شيء مجُرَّب لكن أحيانًا الإنسان للغَيْرة التي عنده يَثور، وَيعجِز أن يَملِك نَفْسه، نحن نَقول: هدِّئْ؛ لأنك أنت مِثْل الطَّبيب الذي يُريد أن يَشُقُّ الجُرْح، فلا بُدَّ أن تَكون بهدوء، وعلى الوجه الذي يَحصُل به المَطلوب.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: مُراغَمة الكُفَّار في الإخلاص لله وفي العَمَل؛ لقوله: {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، ويَنبَني على ذلك أنَّه يَجِب على الإنسان أن يَقوم بالواجِب ولو كَرِهَ ذلك غيره، ولا يُحابِيَ أحَدًا في هذا، فمثَلًا إذا كرِهَ أبو الشابِّ أن يُصلِّيَ ابنه مع الجَماعة - كما يُوجَد الآنَ - فلا يُداهِن أباه في ذلك، يُصلِّي مع الجماعة ولو رغم أَنْف أبيه، ولو كرِه ذلك.

ولو وصَل الشابُّ رحِمَه - كعمِّه وخاله، وما أَشبَه ذلك - وكان بينَه وبين أبيه عَداوة شَخْصية، فكان يَكرَه لابنه أن يَصِل أَقارِبَه الذين يَكرَهُهم أَبوه، فيُواصِلهم ولو كرِه، لكن في هذه الحالِ يُدارِي أباه، بمَعنَى أنَّه يَكتُم عنه أنَّه وصَلَهم؛ لتَحصُل المَصلَحة بدون مَفسَدة.

وهناك فَرْق بين المُداراة والمُداهَنة، المُداراة: أن يَفعَل الإنسان ما يَلزَمه مع التَّكتُّم عن الشخص الآخَر الذي يَكرَه؛ ولهذا سُمِّيت مُداراة من الدَّرْء وهو الدَّفْع.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، رقم (٦٠٢٤)، ومسلم: كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق، رقم (٢٥٩٣)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

<<  <   >  >>