للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال قائِل: الذين لا يُثبِتون الحِكْمة لله - عَزَّ وَجَلَّ -؛ هل نَقولُ: هذا إنكار جُحود، أو إنكار تَأوِيل؟

فالجَوابُ: إنكار تَأويل؛ لأنهم يَقولون: إنه لو فعَل لحِكْمة لفعَل لغَرَض، ولا يَفعَل للغَرَض إلَّا مَن كان مُحتاجًا للغرَض، فهذه شُبْهة، فيُقال: هل هذه الحِكْمةُ لأمر يَعود لنَفْسه، أو يَعود لعِباده؟ ثُم إذا كان عائِدًا لنَفْسه، فهو أهل للثَّناء، إذا كانت الحِكْمة صِفة كَمال في نفسه، فهو أهل للثَّناء - عَزَّ وَجَلَّ -، وأيُّهما أَكمَلُ مَن يَفعَل لا لحِكْمة أو مَن يَفعَل لحِكْمة؟ لا شَكَّ أن الثانِيَ أكمَلُ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أنَّه يَنبَغي لمَن آتاه الله عِلْمًا أن يَكون مُنذِرًا، يَعنِي: يَجمَع بين العِلْم والتَّفقيه في الدِّين وبين الإنذار؛ لأنه إنِ اقتَصَر على مجُرَّد التعليم الفِقْهيِّ مثَلًا، أو التوحيد بدون أن يُحرِّك القلوب لم يَستَفِد الناس منه كثيرًا، فلابُدَّ أن يَكون هناك إنذار من أَجْل تَحريك القُلوب، وكان النَّبيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذا خطَب احْمَرَّت عَيْناه، وعلا صوتُه، واشتَدَّ غضَبه، حتى كأنَّه مُنذِرُ جَيْش يَقول: صبَّحَكُمْ ومسَّاكُمْ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: التحذير من خِزْيِ يوم القِيامة؛ لأنه يومُ التَّلاقِ، ولا شَكَّ أن العُقوبة إذا كانت لا يَطَّلِع عليها إلَّا القليل أَهوَنُ ممَّا إذا اطَّلَع عليها الكثير، فكيف إذا اطَّلَع عليها الخَلْق كلُّهم؟ ! تَكون أشَدَّ وأَعظَمَ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: إثباتُ قُدْرة الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -؛ حيث يَجمَع الله الخَلْق كلَّهم على صَعيد واحِد بعد الموت، والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - على كل شيء قَديرٌ.

* * *

<<  <   >  >>