للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَنِ: التَّفْسير اللَّفْظيُّ غير المُراد، المُراد يُعيِّنه السِّياق، أو يُبيِّنه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أو ما أَشبَه ذلك، وأمَّا اللَّفْظ فأن تُفسَّر الكلِمة باعتِبار مَعناها، مُنْفرِدَة دون النَّظَر إلى سِياقها، والقُرآن الكَريم يُفسَّر بالمعنى الثاني، أي: بما أَراد الله به.

ثانيًا: هل المُراد يُخالِف الظاهِر أو هو الظاهِر إلَّا بدَليل؟ المُراد هو الظاهِر، يَعنِي: أنَّ الله يُريد بكَلامه ظاهِره، ولا بُدَّ، ولا يُمكِن أن نَعدِل عن الظاهِر إلَّا بدليل، فمَن عَدَل عن الظاهِر إلى غيره بدون دَليل، كان مِمَّن يحرِّفُون الكَلِمَ عن مَواضِعه.

مثال هذه القاعِدةِ: قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤]، فظاهِر قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}؛ أي: عَلا عليه، علُوًّا يَليقُ بجلاله وعظَمته، وهو عُلوٌّ خَاصٌّ بِالعَرْش، وليس هو العُلوَّ العامَّ على جميع المَخلوقات، فإذا جاء الإنسان، وقال: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} يَعنِي: استَوْلى عليه، فإننا لا نَقبَل منه؛ لأنَّ هذا خِلاف الظَّاهِر بلا دليلٍ، فإذا كَانَ خِلافُ الظَّاهِر بلا دليلٍ؛ فإنه من باب تَحريف الكلِم عن مَواضِعه، وإن تَسَمَّى أهْلُه بأنَّهم مُؤَوِّلة، فإِنَّما يُسمُّون أنفسهم بذلك من أَجْل قَبول قولهم، وتَسهيل خطَئِهم على الناس؛ لأنه فَرْق بين أن تَقول: هذا مُؤَوِّل، أو هذا محُرِّف. وإلَّا فالحقيقة أنهم محُرِّفون.

ولهذا تَجِد شيخ الإسلام ابنَ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عبَّر بالعَقيدة الواسِطية بقوله: من غير تَحْريف (١). ولم يَقُل: من غَيْر تَأوِيل؛ لأن التَّحريف مَذموم بكُلِّ حال، والتَّأوِيل منه صَحيح ومنه فاسِد.


(١) العقيدة الواسطية (ص: ٥٧).

<<  <   >  >>