للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن دَلَّ دليل على أن المُراد خِلاف الظاهِر، فَسَّرناه بالمُراد، مِثْل قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: ٩٨]، مَعنى قرَأْت، يَعنِي: أرَدْت أن تَقرَأ، وليس المعنى: إذا فرَغْت، لو أننا فَسَّرْنا اللَّفْظ بظاهِره، لقُلنا: إذا قرَأْت. يَعنِي إذا انتَهَيْت من القِراءة فاستَعِذْ بالله، ولكنَّ هذا غيرُ مُراد، والذي يُبيِّن أن هذا غيرُ مُراد فِعْلُ النَّبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فإنه كان يَستَعيذ قبل أن يَبدَأ القِراءة. هاتان قاعِدتان.

القاعِدة الثالِثة: إلى مَن يُرجَع في تَفسير القُرآن؟ هل يُرجَع إلى اللُّغة والحَقيقة اللُّغَوية، أو يُرجَع إلى الحَقيقة الشرعية، أو ماذا؛ نَقولُ: أوَّلا يُرجَع في التفسير إلى تَفسير مَن تَكلَّم به، وهو الله عَزَّ وَجَلَّ فيُرجَع في التَّفسير:

أوَّلًا: إلى كلام الله، فإذا كانت الكلِمة مجُمَلة في مَوْضِع من القُرآن ومُفصَّلة في مَوْضِع؛ فإنه يُرجَع إلى ما فُصِّل بالقُرآن نفسه، إذا كانت مُبهَمة في مَوضِع لكنها مُبيَّنة في مَوْضِع آخرَ نَرجِع إلى المَوْضِع الآخَر.

فيُفسَّر القُرآن أوَّلا بالقُرآن؛ لأن المُتكلِّم به أَعلَمُ به من غيره، ففي قوله تعالى: {الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة: ١ - ٣]، ما هي القارِعة؟

نَقول: بيَّنها الله بقوله: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة: ٤]، وقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار: ١٧ - ١٨] فسَّرَها بقوله: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: ١٩]، وكذلك قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: ١٥]، أيُّ ناصِية هي؟ كلُّ ناصِية يَسفَع الله بها؟ لا {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦)} [العلق: ١٦]، وعلى هذا فقِسْ.

<<  <   >  >>