للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس؛ لقوله: {سَاحِرٌ} والساحِر مَن يَأتِي بأمور تُعجِز الناس، لكن الفَرْق بين الساحِر وبين النَّبيِّ أن النَّبيَّ مُؤيَّد من عند الله عَزَّ وجلَّ لا بفِعْله هو، بمَعنى: أنَّ السَّاحِر هو الذي يُعَالِج الشيء حتى يَأتِيَ بالمُعجِزة، أمَّا النَّبيُّ فإن الآياتِ تَأتِيه بدون أيِّ عمَل منه، بل بإرادة الله عزَّ وجلَّ.

فإذا قال إنسان: إِذَنْ ما الفَرْق بين الكَرامة وآية النَّبيِّ؟

قلنا: الفَرْق بينهما أنَّ الكرامة تَأتِي لمتَّبع النَّبيِّ، وأمَّا الآية فتَأتِي للنَّبيِّ نفسه، أي أنَّ مَن آتاه الله كَرامة من الأولياء، ليس يَقول: إنه رَسول، ولا إنه نَبيٌّ. ولكِن الله يُعطيه الكَرامة تَأْييدًا له، أو تَأْييدًا للإسلام، وفي ذلك أيضًا آيةٌ للنَّبيِّ الذي يَتبَعُه.

فإن قال قائِل: هناك مَن يَقول: إنَّ في السَّابِق كانت المُعجِزات الحِسِّيَّة خارِقة للعادة، ثُم حين تَطوَّر العقل البشَريُّ وبلَغ أَوَجه في عهد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أتى القُرآن؟

فالجَوابُ: هذا رُبَّما نَقول: هذا صحيح. لكن الرسول عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ محمدٌ أتى بمُعجِزات حِسِّية، ومُعجِزات مَعنَوية، له مُعجِزات حِسِّية عَظيمة؛ انشِقاق القمَر مُعجِزة، نَبْع الماء من بين أَصابِعه (١) مُعجِزة، فوَران الماء من البِئْر التي نضَب ماؤُها لمَّا مجَّ فيها شيئًا من فمِه (٢)؛ كل هذه مُعجِزات حِسِّية.

أمَّا السِّحْر والشَّعْوذة فهو كل خارِق للعادة يَظهَر على يَدِ مخُالِف الرسول.

وقد أَنكَرت المُعتَزِلة الكراماتِ وقالت: لو أننا أَثبَتْنا الكراماتِ لاشتبَه النَّبيُّ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الوضوء، باب الوضوء من التور، رقم (٢٠٠)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (٢٢٧٩)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (٣٥٧٧)، من حديث البراء - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>