قوله:{إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} هذا الخوفُ حَقيقيٌّ، هو يَخاف أن موسى بما معَه من الآيات يُبدِّل دِين هَؤلاءِ؛ لأن دِينهم التَّعبُّد لفِرعونَ، وموسى يَقول: اعبُدوا الله؛ فإذا جاءَ بالآيات واتَّبَعه الناس بَدَّل الدِّين، فصَارَ الناس بدَل أن يَتَّجِهوا إلى فِرعونَ وَيعبُدوه، يَتَّجِهون إلى الله عَزَّ وجلَّ؛ ولهذا قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} من عِبادتكم إيايَ فتَتَّبِعونه].
إِذَنْ: دِينهم هو عِبادتهم فِرعونَ، فإذا دعاهم موسى إلى عِبادة الله انصَرَفوا إلى الله، فتَبدَّل الدِّين، واتَّبَعوا موسى.
فقوله:"وَأَنْ يَظهَر فى الأَرْض الفَسادُ" الفَساد على زَعْمه هو: صرف الناس عن عِبادته إلى عِبادة الله، هذا وَجهٌ.
وجه آخَرُ: تَفريق الناس بدَل أن كانوا مُتَّفِقين عليه، ما بين خائِف وراغِب، يَختَلِفون؛ فيَكون بعضُهم تابِعًا لمُوسى، وبعضُهم لفِرْعون، وتَفرُّق الأُمَّة لا شكَّ أنه فَساد، فصار إظهار الفَساد يَدَّعيه من وجهَيْن: الأوَّل: تَغيِير الدِّين. والثاني: تَفريق الأُمَّة.
قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: ["وَأَنْ يَظهَرَ فى الأَرْضِ الفَسادُ" مِنْ قَتْل وغَيْره]، القَتْل هذا غالِبًا من لازِم الاختِلاف، ولازِم الاختِلاف بين الأُمَّة أن يَصِل بهم النِّزاع إلى حَدِّ المُقاتَلة أو غيره، ومنه تَغيُّر عِبادة الناس من عِبادة فِرعونَ إلى عِبادة الله.