للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقول المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [مِثْل بدَل من مِثْل قبله؛ أي: مِثْل جزاء عادة مَن كفَر قَبلَكم من تَعذيبهم في الدُّنيا]، إذن مِثْل دَأْب ما هي مِثْل عادتهم، إلَّا إذا أُريد إضافتُها إلى المَفعول به؛ أي: مِثْل العادة التي أَوقَعها الله بهم، لكن كان المفَسِّر جعَلها مُضافة إلى الفاعِل، وأنَّها على تَقدير مثل جزاء عادة؛ لأن الجَزاء من الله، والعادة من هَؤلاء الأقوامِ من الأحزابِ، العادة عادة الأحزاب، والعُقوبة عُقوبة الله.

فإمَّا أن نَقول: إنَّ الكلام على تَقدير: مِثْل عُقوبة عادة قَوْم نُوحٍ. . إلى آخِره، أو نَقول: مِثْل دَأْب قوم نُوحٍ؛ أي: مِثْل العادة التي فعَلها الله بهم، والمَعنَى واحِد. والمُراد أنه يَخاف عليهم مِثْل هذه الأيامِ التي هي عُقوبة لهَؤلاء الذين كذَّبوا رُسَله.

وقوله: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} (ما) نافِية وهي حِجازِية؛ لأن هذا القُرآنَ باللُّغة الحِجازِية، انظُروا إلى قوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} ولم يَقُل: ما هذا بشَرٌ؛ فنَحْمِل كل ما كان على شاكِلَتها عليها، والصحيح أن {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} لا تَتبيَّن أنها حِجازِية أو تمَيمية؛ لأن الخَبر جملة ليس مُفرَدًا، يَظهَر فيه النَّصْب؛ لكن يُحمَل ما لا يَظهَر فيه الإعراب على ما ظهَر فيه الإعراب، وهو قوله: {مَا هَذَا بَشَرًا}.

ثُم اعلَمْ أنَّ القُرآن إنما كُتِب بلُغة قُرَيْش، كما قال عُثمانُ - رضي الله عنه - للذين كتَبوا المَصاحِف قال: إنِ اختَلَفْتُم في شَيْءٍ فاجْعَلوه على حَرْف قُرَيْش (١). يَعنِي: على لُغَتها.

فقوله: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} (ما) نافِية، تَعمَل عمَل ليس لتَمام الشروط، ولفظ الجَلالة اسمِها، وُيريد الجُمْلة جُمْلة هي خبَرها، ولو كانَتِ اسمًا لكان التَّقديرُ: وما الله مُريدًا.


(١) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب نزل القرآن بلسان قريش، رقم (٣٥٠٦)، من طريق أنس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>