للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا جاء في الحَديث الصَّحيح القُدسيِّ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظّلْمَ عَلَى نَفْسِي" (١) لم يَقل: يا عِبادي، إنني لا أَستَطيعُ أن أَظلِم. قال: "إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي" وهذا يَدُلُّ على أنه قادِر على أن يَظلِم، لكنه لا يَظلِم لكَمال عَدْله، ولو كان غير قادِر أن يَظلِم لم يَكُن انتِفاء الظّلْم عنه مدحًا؛ لأنه عاجِز، لكنه قادِر، ولكنه لا يَظلِم، وأَقولُ هذا؛ لأنَّ الجَهْمية وغيرهم قالوا: إنَّ الله لا يَستَطيعُ أَنْ يَظلِم أبَدًا، وإلى هذا أَشار ابنُ القيِّمِ في النُّونية حين قال (٢):

وَالظُّلْمُ عِنْدَهُمُ المُحَالُ لِذَاتِهِ. .................

يَعنِي: أنه مُستَحيل لذاته، لا لكَمال الله لكن لذاته، لا يُمكِن أن يَظلِم، قال: لأنَّ الظُّلم أن يَتَصرَّف الإنسان في مُلْك غيره، والله عَزَّ وَجَلَّ يَتَصرَّف في مُلْكه فإذا ظلَم لم يَكُن ظالمًا؛ لأن هذا مُلْكه، فيُقال: تبًّا لعُقولكم الفاسِدة؛ إذا وعَد المُؤمِن بشيء، ولكن على عمَل مُعيَّن، هو عمِل هذا العمَلَ ولم يُعطِه إيَّاه، يَكون ظُلمًا ولا شكَّ في هذا، وأنتم تَقولون: يَجوز أن يُثيب العاصِيَ الذي يَعصِي الله كل عُمْره، ويُعاقِب المُطيع الذي يَعمَل بطاعة الله كل عُمْره، وأنَّ الأمرين على حدٍّ سواءٍ؛ لأنه لا يَظلِم حيثُ إنه يَتصَرَّف في مُلْكه، فنَقول: هذا لا شَكَّ أنه سَفَه في العَقْل، وضَلالٌ في الدِّين والله عَزَّ وَجَلَّ وعَدَ العامِل عمَلًا صالِحًا بالثَّواب، والمُخالِف بالعِقاب. كيف يَجوز أن يُخلِف الله وَعْده.

المُهِمُّ: هذا قولٌ باطِل، ولا شكَّ في بُطْلانه، ومجُرَّد تَصوّره يَعرِف الإنسان أنه باطِل.


(١) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم (٢٥٧٧)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.
(٢) النونية (ص: ٨).

<<  <   >  >>