للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استَحال عليه على ذلك؛ لأنه مُستَحيل، وهم يَقولون: إنه مُستَحيل لذاته؛ لأنَّ الخَلْق كله مُلْكه وَيفعَل في مُلْكه ما يَشاء، ومَن تَصرَّف في مُلْكه؛ فإنَّه لا يُقال: إنه ظالِمٌ ولو قدَّم شَيْئًا على شيء، أو نقَص شيئًا عن حَقِّه، ولكنَّنا نَقول: إن الله تعالى صرَّح بأنه حَرَّم الظُّلْم على نَفْسه، وهذا يَدُلُّ على أنَّ الظُّلْم في حَقِّه مُمكِن عقلًا، لكنه حَرَّمه على نفسه لكَمالِ عَدْله.

والخُلاصة الآنَ: أنه لا يُمكِن أن يُوجَد في صِفات الله تعالى نَفيٌ مَحض أبَدًا؛ الدليل: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} والنَّفيُ المَحْض ليس من المَثَل الأعلى في شيء، ولكن إذا نفَى الله شيئًا عن نفسه، فالمُراد إثباتُ كَمال ضِدِّه، يَعنِي: أنه لثُبوت كَمال ضِدِّه انتَفَى عنه هذا الشيءُ؛ فضِدُّ الظُّلْم العَدْل، إِذَنْ نُثبِت من نَفيِ الظُّلْم عن الله كَمال عَدْله، وأنه جَلَّ وَعَلَا لعَدْله لا يَظلِم، لا لعَجْزه، هو قادِر على أن يَظلِم، لكنَّه لا يَظلِم لكَمال عَدْله.

ولا يُوجَد نَفيٌ في صِفات الله إلَّا لكَمال ضِدِّه قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: ٣٨]؛ لكَمال قُوَّته؛ لا لأن اللُّغوب لا يَلحَقه، لكن لكمال قُوَّته لا يَلحَقه اللُّغوب، وليس المَعنَى انَّه ليس مِمَّا يُمكِن أنْ يَلْحَقه اللُّغُوب، لا لكِنَّه مُستَحيل لكَمال قُوَّته.

قال أَهلُ العِلْم رَحِمَهُ اللهُ: وإنَّما قُلْنا بذلك؛ لأن النَّفيَ المَحْض عدَمٌ مَحض، النَّفيُ المَحضُ: نفَيْت الشيء مَعناه: أنه غيرُ مَوْجود، والعدَم المَحْض ليس بشيء، فَضلًا عن أن يَكون مَدْحًا؛ لأنه عَدَم العَدَم لا يُمدَح عليه، وإمَّا أَنْ يَكون النَّفيُ مُتضمِّنًا لإثبات، هذا الإثباتُ قد يَكون عَجْزًا.

<<  <   >  >>