للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لجُبْنهم، ولا يَظلِمون لا يَستَطيعون لضَعْفهم، وكذلك قولُ الشاعِرِ الآخَر (١):

لَكِنَّ قَوْمِي وَإِنْ كَانُوا ذَوِي عَدَدٍ ... لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ فِي شَيْءٍ وَإِنْ هَانَا

يَعنِي: ليسوا هُمْ للشَّرِّ إطلاقًا ولو هانَ.

يَجْزُونَ مِنْ ظُلْمِ أَهْلِ الظُّلْمِ مَغْفِرَةً ... وَمِنْ إِسَاءَةِ أَهْلِ السُّوءِ إِحْسَانَا

ثُم قال:

فَلَيْتَ لِي بِهِمُ قَوْمًا إِذَارَ كِبُوا ... شَنُّوا الْإِغَارَةَ فُرْسَانًا وَرُكْبَانَا

هنا يَذُمُّهم مع أنهم إذا ظُلِموا غفَروا لمَن ظلَمهم، وإذا أُسيءَ إليهم أَحسَنوا لمَن أَساء إليهم، وهذه صِفة قد تَبدو مَطلوبة محَمودة، لكن إذا كان السبَب في ذلك أنهم ضُعَفاءُ صارَت مَذمومة.

وقد يَكون النَّفيُ لعدَم صلاحية هذا الوَصْفِ لما نُفِيَ عنه، قد يَكون نَفيُ الشيء عن الشيء؛ لأنه غيرُ قابِل وغير صالِح لأن يُوصَف به، كما إذا قُلت: الجِدار لا يَظلِم. فهذا ليس مَدْحًا للجِدار؛ لأنه غير قادِر ولا صالِح للظُّلْم أو عدَم الظُّلْم، فتَبيَّن بذلك أنَّ الله تعالى لا يَنفِي عن نَفْسه شيئًا إلَّا لكَمال ضِدِّ هذا المَنفيِّ، لا لأنه غير قابِل له، أو غير صالِح في حَقِّه، وما أَشبَه ذلك. من الناحِية العَقْلية.

وهذا الظُّلمُ المَنفيُّ عن الله لكَمال العَدْل جائِز؛ لكنه مُستَحيل على الله تعالى لكَماله؛ خِلاقًا للجَهْمية، الذين قالوا: إن الظُّلْم مُستَحيل على الله لذاته -لذات الظُّلْم-؛ لأنه إذا كان مُستَحيلًا لذاته، لم يَكُن مَدْحًا، المُستَحيل لذاته لا يَمدَح من


(١) ذكره أبو تمام في ديوان الحماسة (ص: ١١) عن رجل من بَلْعنبر يقال له: قُرَيط بن أُنيْف.

<<  <   >  >>