للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنَّها إذا انتَفَتِ الإرادة انتَفَى الفِعْل فنَفيُ إرادة الظُّلْم نَفيٌ للظُّلْم من بابِ أَوْلى، كما أنه جاءَت آياتٌ صَريحةٌ في نَفيِ الظُّلْم عن الله عَزَّ وجلَّ، فقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩]، وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦]، وقال: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: ٢٩].

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: إثبات اتِّصاف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالنَّفيِ؛ أي: أنَّ الله يَتَّصِف بالصِّفات المَنفيَّة التي يُعبِّر عنها بعض العُلَماء بالصِّفات السَّلْبية، لأن النفيَ سَلْب.

ولكن إذا قال قائِل: هل في النَّفيِ ثَناء ومَدْح، مع أنَّ الله عَزَّ وجلَّ يَقول: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: ٦٠]، فصِفات الله تعالى كلُّها صِفات كَمال، والنفيُ عدَمٌ فهل يَكون فيه مَدْح وثَناءٌ؟

الجَوابُ: نَقولُ: أمَّا بالنِّسبة لغير الله عَزَّ وجلَّ، فإنه لا يَدُلُّ على الكَمال، ولا على المَدْح؛ أمَّا بالنِّسبة لله فيَتعيَّن أن يَكون دالًّا على الكَمال؛ لقوله تَعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} فكلُّ نَفي نَفاه الله عن نفسه، فإنه مُتضَمِّنٌ لكَمال؛ دَليلنا هذه الآيَةُ: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} وإلّا فالنَّفيُ المُجرَّد لا يَدُلُّ على الكَمال إطلاقًا، بل أَحيانا يَدُلُّ على النَّقْص، فقول الشاعِر مثَلًا:

قُبَيِّلَةٌ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ ... وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ (١)

وصَفهم بأنهم لا يَغدِرون بالعَهْد، وأنهم لا يَظلِمون، وهذا في ظاهِره مَدْح؛ لكنَّه في الواقِع يَذُمهم بأنهم ناس جُبَناءُ، وضُعَفاءُ، لا يَغدِرون لأنهم لا يَستَطيعون


(١) البيت ينسب للنجاشي الحارثي قيس بن عمرو، انظر: الحماسة الصغرى لأبي تمام (ص: ٢١٥ - ٢١٦)، والشعر والشعراء لابن قتيبة (١/ ٣١٩)، وخزانة الأدب للبغدادي (١/ ٢٣٢).

<<  <   >  >>