الفِعْل المُضارع إذا وقَع جَوابًا للأَمْر فإنه يَكون مَجزومًا، قيل: إنه مَجزوم به. وقيل: إنه مجَزوم بشَرْط مُقدَّر، والتَّقدير: إن تَتَّبِعوني أَهدِكُم. وهكذا يُقال في كل ما جاء على هذا التَّرْكيبِ {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} أي: طريقه، والهِداية هنا هِداية الدَّلالة؛ لأنه لا يُمكِن أن يُراد بها هِداية التَّوْفيق، إذ إن هِداية التَّوْفيق تكون بيد الله عز وجل؛ لقوله تبارَكَ وَتَعَالى لرسوله محُمّدٍ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[القصص: ٥٦]؛ أي: لا تَهدِي هِداية التَّوْفيق، فقوله:{أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} يَعنِي: أَدُلُّكم على سَبيل الرَّشاد، وسبيل الرَّشاد ضِدُّ سَبيل الغَيِّ، والرَّشاد هو حُسْن التَّصرُّف، والغَيُّ هو الضَّلال أو ارتكاب الخطَأ عن عَمْد.
قوله:{يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} لمَّا رغَّبهم باتِّباعه زَهَّدهم بالدُّنيا؛ لأن أصل ضَلال بني آدَمَ هو الطَّمَع في الدُّنيا والتَّنافُس إنما يَكون عليها؛ ولهذا قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَإنَّما أَخْشَى أَنْ تُفْتَحَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا -أي: مَن قَبْلنا- فَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ"(١) فهو لمَّا طلَب أن يَتَّبِعوه بيَّن لهم حال الدنيا التي يَتَنافَسون فيها والتي صَدُّوا عن سَبيل الله بها.
فقال:{يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ}{إِنَّمَا} أداة حَصْر، و {هَذِهِ الْحَيَاةُ} مُبتَدَأ، و {مَتَاعٌ} خبَرُه؛ أي: ما هذه الدُّنيا إلَّا مَتاع يَتمتَّع به الإنسان قليلًا ثُم يَزول؛ ولهذا قال المفَسّر رَحِمَهُ اللهُ في التَّفسير:{مَتَاعٌ} تَمتُّع يَزولُ].
قوله:{وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}{الْآخِرَةَ} ما بعد الدنيا هي دارُ
(١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، رقم (٦٤٢٥)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، رقم (٢٩٦١)، من حديث عمرو بن عوف - رضي الله عنه -.