للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومجَرور، أو ظَرْف، لا بُدَّ له من مُتعلَّق، كما قال ناظِم الجمل (١):

لَابُدَّ لِلْجَارِّ مِنَ التَّعَلُّقِ ... بِفِعْلٍ اوْ مَعْنَاهُ نَحْوَ مُرْتَقِي

وَاسْتَثْنِ كُلَّ زَائِدٍ لَهُ عَمَلْ ... كَالْبَاءِ وَمِنْ وَالْكَافِ أَيْضًا وَلَعَلْ

فأين مُتعلَّق البَسمَلة؟

أحسَنُ ما يُقال: إن مُتعلَّقها فِعْل مُتأخِّر مُناسِب لما ابتُدِئ بالبَسمَلة من أَجْله، فنحن الآنَ نُريد أن نَقرَأ فنَقول: المُتعلَّق تَقديره: باسم الله أَقرَأ، نُريد أن نَتوضَّأ نَقول: التقدير، باسم الله أَتوضَّأ، نُريد أن نَذبَح نَقول: التَّقدير، باسم الله أَذبَحُ، وإنما قدَّرناه فِعْلا لا اسم فاعِل؛ لأنَّ الأصل في العمَل هو الفِعْل، وإنَّما قدَّرناه مُتأخِّرًا لوجهين:

الوَجْه الأوَّل: التَّيمُّن بالبَداءة باسم الله.

والثاني: إفادة الحَصْر، لأَنَّك إذا أَخَّرت العامِل وقدَّمت المَعمول كان ذلك دَليلًا على الحصر، إذ إنَّ القاعِدة المَعروفة في البلاغة هي أن تَقديم ما حقُّه التَّأخير يُفيد الحصْر، وإنما قدَّرناه مُناسِبًا لما ابتُدِئ به؛ لاصَنه أدلُّ على المَقصود، فمثَلًا لو قلت: إنَّ التقدير باسم الله أَبتَدِئ. صحَّ، لكن أَبتَدِئ بأي شيء؟ فإذا قلنا: نُقدِّره فعلًا خاصًّا مُناسِبًا لما ابتُدِئ به، صار ذلك أدلَّ على المَقصود، ومعلوم أنَّ ما كان أدَلَّ على المقصود كان أبينَ في المُراد.

فيه أيضًا وجه آخرُ تَبيَّن لنا، وهو أنك إذا قلت: باسم الله أَبتَدِئ صارت البَسملة على الابتِداء فقَطْ، إذا قلت: باسم الله أَقرَأ، صارت البسملة على كل الفِعْل، وهذه فائِدة أَكبَرُ بكثير من مُناسَبة التَّعيين، إذا قلت: باسم الله أَبتَدِئ صارت البَسمَلة على


(١) انظر: كشف النقاب على نظم قواعد الإعراب للسعدي (ص: ٥٧).

<<  <   >  >>