للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

-كما قلْت لكم- استِفْهام تَعجُّب وإنكار، وهو مَحلُّ التَّعجُّب ومحَلُّ الإِنْكار أيضًا، والله أَعلَمُ.

وجُمْلة {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} مَعطوفة على الجُمْلة التي قَبلَها، وليسَتِ استئنافية ولا حاليَّة كما قيل به، بل هي مَعطوفة على ما سبَقَ؛ لأن التَّعجُّب إنما يَكون مِنِ اجتِماع الأمرَيْن أنه يَدْعوهم إلى النَّجاة، وهُمْ يَدْعونه إلى النار.

وقوله: {إِلَى النَّجَاةِ} يَعنِي: النَّجاة إلى النار ولم يَقُل: إلى الجنَّة مع أنه قال: {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}؛ لأنَّهم هم يَدْعونه إلى الهَلاك، يَدْعونه إلى النار، فقابَل دَعْوته بدَعْوتهم، فكأنه يَقول: أنا أَدعوكم إلى النَّجاة من النار وأنتم تَدْعونَني إلى النار، والدَّعْوة إلى النار ليس أن يَقول القائِل: هلُمُّوا إلى النار أيها الناسُ. لكنها الدَّعْوة إلى عمَل أهل النار، وليُعلَم أن النار حُفَّت بالشَّهَوات، وأن الجنَّة حُفَّت بالمَكارِم، وعمَل أهل النار مَبنيٌّ على الشَّهَوات أو على الشُّبَهات يَعنِي: إمَّا جَهالات وضَلالات كعمَل النَّصارَى، وإمَّا شَهَوات كعمَل اليَهود، وعلى هَذَيْن يَدور عمَل أهل النار الشُّبُهات والشَّهَوات، والشُّبُهات دواؤُها العِلْم، والشَّهَوات دَواؤُها الحَزْم والإرادة التامَّة لما يحبُّه الله ويَرْضاه.

{مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} ثُمَّ بيَّن بعد أن أَجمَل في قوله: {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} بَيَّن الأعمال التي يَدْعونه إليها:

وقوله: {تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ} اللَّام هنا لبَيان المَدعوِّ إليه. يَعنِي: تَدْعونَني لهذا، وعلى هذا فـ {لِأَكْفُرَ} مَنصوبة بـ (أن) مُضمَرة بعد اللَّام على مَذهَب البَصْريِّين، أو باللَّام على مَذهَب الكوفِيِّين، {لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ} أي: أَجحَده وأُنكِره، والمُراد إنكار وَحْدانيَّته بدَليل قوله: {وَأُشْرِكَ بِهِ} وقد يُقال: إن المُراد إنكار وُجوده

<<  <   >  >>