للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا} [البقرة: ١٦٧].

فقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} يقول المفَسِّر: [ليس له دَعْوة مُستَجابة] يَعنِي: لا يَستَجيب الدَّعْوة، والصواب أن لها مَعنيَيْن: لا يَستَجيب، ولا يَستَحِقُّ، فهو لا يَستَحِقُّ أن يُدعَى، ولو دُعِيَ لم يَستَجِبْ.

وقوله: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ} لا يَستَطيع هذا لا في الدنيا ولا في الآخرة، فالأصنام لا تَنفَع عابِديها لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وقوله: {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ} ذكَّرهم بالحِساب رَحِمَهُ الله وجَزاه الله خيرًا، قال المفَسِّر رَحِمَهُ اَللَّهُ: [{وَأَنَّ مَرَدَّنَا}؛ أي: مَرجِعنا] إلى الله عَز وَجَلَّ في الدُّنيا والآخِرة {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩]، فالمَرَدُّ هو الله في الدنيا والآخِرة.

وقوله: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} يَعنِي: ولا جرَمَ أيضًا أن المُسرِفين هُمْ أصحاب النار. يَعنِي: هذه ثَلاثة أشياءَ كلُّها جُزِم بها جَزْمًا.

أوَّلًا: {أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ}.

والثاني: {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ}.

والثالِث: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}.

والمُسرِف اسمُ فاعِل من الإسراف، وهو تَجاوُز الحَدِّ ويَكون كُفْرًا، وَيكون دون الكُفْر، فالإنسان الذي يَملَأ بطنَه من الطَّعام والشراب مُسرِف، لكنه ليس بكافِر؛ لأن الله عز وجل قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}، وكذلك الإسرافُ في اللِّباس وغيره لا يُؤدِّي إلى الكُفْر، لكن الإسراف في عِبادة الله بأن تَتَجاوَز عِبادة الله إلى عِبادة غيره، هذا هو الكُفْر، وهذا هو مُراد هذا الرجُلِ المُؤمِن.

<<  <   >  >>