للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} (أنَّ) حَرْف تَوْكيد يَنصِب المُبتَدَأ ويَرفَع الخبَر، و (ما) اسمُها، و {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} خبَرُها الجُملة.

قال المفَسِّر رَحِمَهُ الله: [{أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} لأَعبُدَه]، ولكِنَّ هذا التَّفسيرَ قاصِر، فالذي دعَوْه إليه أن يَكفُر بالله ويُشرِك به، فهُم دَعَوْه إلى أمرين، والمفَسِّر قصَره على أَمْر واحِد، وهو عِبادة غير الله، وهذا إِشْراك.

وقوله: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} أي: ليس له استِجابة دَعْوة، والصواب أنه ليس له دَعْوة يُدعَى بها، ولا دَعوةٌ يُجيبها، فمَعنى {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ}: لا يَستَحِقُّ أن يُدعَى، وهو أيضًا لا يَستَجيب إذا دُعِيَ، كما قال الله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)} [فاطر: ١٤].

زِدْ على ذلك أنكم تُريدون أن يَنفَعوكم في الآخِرة، والأمر ليس كذلك؛ قال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}، وهذه الآيةُ كقَوْله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأحقاف: ٥]، هذا الذي تَدْعوه لا يُمكِن أن يَستَجيب لك إلى يوم القِيامة أبدًا، {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (هُم) يَجوز أن يَكون المَدْعوُّون، ويَجوز أن يَكون الداعُون، والهاء في {دُعَائِهِمْ} يَجوز عَوْدها لهذا، وهذا حَسب الضَّمير السابِق.

ثم قال تعالى: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ} وهو الوَقْت الذي يُريد الداعون أن يَنتَفِعوا بالمَدْعوِّين {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (٦)} [الأحقاف: ٦]؛ لأن الله يَقول: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (١٦٦)} [البقرة: ١٦٦] أي: المَودَّة والمَحبَّة التي كانوا يُضمِرونها لهم في الدُّنيا {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا

<<  <   >  >>